عن رواة الإسرائيليات يُتوقف فيه إذا كان مما هو مسكوت عنه فى شرعنا ولم يقم دليل على بطلانه، أما ما روى عنه موافقاً لما جاء فى شرعنا فهذا صحيح مقبول بدون توقف، كما نص عليه ابن تيمية (فى ص ٢٦، ٢٧) من مقدمة فى أصول التفسير، وهو عين ما عناه بعبارته الموجودة (فى ص ١٣، ١٤) وهى التى اعتمد عليها السيد محمد رشيد فى طعنه على كعب وغيره.
كما أننا لا نقر الشيخ على هذا الاتهام البليغ لكعب ووهب، ولا على رميهما بالكذب، ولا على ادعاء عزوهما إلى التوراة وغيرها ما ليس فيها، كما أنَّا لا نقره على اتهامه لعلماء الجرح والتعديل الذين طهَّروا لنا السُّنَّة، وأزاحوا عنها ما لصق بها من الموضوعات، وبيَّنوا لنا الصحيح والعليل منها والعدل والمجروح من رواتها، حيث رماهم بالغفلة والاغترار، وهم أهل هذا الفن الذى لا يصلح له إلا قليل من الناس، ولا ندرى ما هذا الكذب الذى تبيَّن له من كعب ووهب وخفى على ابن تيمية وهو مَن نعلم علماً ومعرفة. وليت الشيخ - رحمه الله - بيَّن لنا ما يستند إليه فى دعواه، ولا أظن إلا أنه استند إلى ما جاء عن معاوية رضى الله عنه عند البخارى فى شأن كعب، وهذا نصه كما فى صحيح البخارى:
قال أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهرى: أخبرنى حميد بن عبد الرحمن: أنه سمع معاوية يُحدِّث رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال: "إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب".
نعم أظن أن الشيخ - رحمه الله - اتهم كعباً وأضرابه بالكذب استناداً لهذا الأثر المروى عن معاوية، والذى رجَّح لدىَّ هذا الظن ما قاله الشيخ بعد كلامه السابق بقليل: "وقد عُلِم أن بعض الصحابة رووا عن أهل الكتاب حتى عن كعب الأحبار الذى روى البخارى عن معاوية أنه قال: إن كنا لنبلوا عليه الكذب.. ومنهم أبو هريرة وابن عباس".
وأرى أن الشيخ قد فَنَّد قول نفسه بنفسه حيث أثبت - كما هو الواقع - أن أبا هريرة وابن عباس وغيرهما من الصحابة أخذوا عن كعب، وهل يُعقل أن صحابياً يأخذ علمه عن كذَّاب وضَّاع، بعد ما عُرِف عن الصحابة من العدالة والتثبت فى تحمل الأخبار، خصوصاً ابن عباس الذى كان يتشدد فى الرواية ويتأكد من صحة ما يُروَى له؟
نعم.. إن حديث البخارى الذى رواه عن معاوية، يُشعر لأول وهلة بنسبة


الصفحة التالية
Icon