العجلى: مكى ثقة. وقال سليمان بن النضر بن مخلد بن يزيد: ما رأيت أصدق لهجة من ابن جريج. وعن يحيى بن سعيد قال: كنا نسمى كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك بها ابن جريج من كتابه لم يُنتفع به. وقال ابن معين: ثقة فى كل ما رُوِى عنه من الكتاب. وعن يحيى ابن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقاً فإذا قال: "حدَّثنى"، فهو سماع. وإذا قال: "أخبرنى" فهو قراءة، وإذا قال: "قال"، فهو شبه الريح. وقال الدراقطنى: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يُدَلِّس إلا فيما سمعه من مجروح. وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: كان من فقهاء أهل الحجاز وقرَّائهم ومتقنيهم وكان يُدَلِّس. وقال عنه الذهبنى فى ميزان الاعتدال: أحد الأعلام الثقات يُدَلِّس، وهو فى نفسه مجمع على ثقته مع كونه قد تزوج نحواً من تسعين امرأة نكاح متعة، وكان يرى الرُخصة فى ذلك، وكان فقيه أهل مكة فى زمانه. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: بعض هذه الأحاديث التى كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالى من أين يأخذها، يعنى قوله: أُخْبِرت وحُدِثت عن فلان. وذكر الخزرجى فى "خلاصته" أنه مجمع عليه من أصحاب الكتب الستة. ولكن نرى الأستاذ أحمد أمين ينقل فى "ضحى الإسلام": أن البخارى لم يوثِّقه وقال: إنه لا يُتابَع فى حديثه، ولسنا ندرى من أين استقى صاحب "ضحى الإسلام" هذا الكلام الذى عزاه إلى البخارى رضى الله عنه.
هذه هى نظرة العلماء إليه وحكمهم عليه، ونرى أن كثيراً منهم يحكم عليه بالتدليس وعدم الثقة ببعض مروياته، ومع هذا فقد قال فيه الإمام أحمد: إنه من أوعية العلم، ونحن معه فى ذلك، ولكنه وعاء لعلم امتزج صحيحه بعليله، ولا نظن إلا أن الإمام أحمد يعنى ذلك، بدليل ما تقدم عنه من قوله: "بعض هذه الأحاديث التى كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، وكان ابن جريج لا يبالى من أين أخذها".
وكان الإمام مالك رضى الله عنه يرى فيه أنه لا يبالى من أين يأخذ، فقد روى عنه أنه قال: كان ابن جريج حاطب ليل.
وأخيراً فعلى المفسِّر أن يكون على حذر فيما رُوِى عن ابن جريج فى التفسير حتى لا يروى ضعيفاً، أو يعتمد على سقيم.
وبعد... فهؤلاء هم أقطاب الإسرائيليات، وعليهم يدور كثير مما هو مبثوث فى كتب التفسير، وسواء أكان كل ما يُنسب إليهم صح عنهم أم وُضِعَ عليهم، فقد علمتَ قيمة كل واحد منهم، وعلمتَ قيمة ما يُروَى من هذه الإسرائيليات وما يجوز روايته وما لا يجوز... وهذا هو جهد المُقِّل وغاية ما وصلتُ إليه فى هذا الموضوع الذى التوى، ثم التوى، حتى صار أعقد من ذَنَبِ الضَّب.
* * *