عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم فى بعض ينبغى أن يُتأتَّى فيه، ولا سيما فى مثل إمام كبير، ولعل السليمانى أراد الآتى - يريد محمد ابن جرير بن رستم الطبرى الرافضى - قال: ولو حلفتُ أن السليمانى ما أراد إلا الآتى لبررت، والسليمانى حافظ متقن، كان يدرى ما يخرج من رأسه، فلا أعتقد أنه يطعن فى مثل هذا الإمام بهذا الباطل".
هذا هو ابن جرير، وهذه هى نظرات العلماء إليه، وذلك هو حكمهم عليه، ومن كل ذلك تتبين لنا قيمته ومكانته.
* *
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
يعتبر تفسير ابن جرير من أقوم التفاسير وأشهرها، كما يعتبر المرجع الأول عند المفسِّرين الذين عنوا بالتفسير النقلى، وإن كان فى الوقت نفسه يُعتبر مرجعاً غير قليل الأهمية من مراجع التفسير العقلى، نظراً لما فيه من الاستنباط، وتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، ترجيحاً يعتمد على النظر العقلى، والبحث الحر الدقيق.
ويقع تفسير ابن جرير فى ثلاثين جزءاً من الحجم الكبير، وقد كان هذا الكتاب من عهد قريب يكاد يُعتبر مفقوداً لا وجود له، ثم قدَّر الله له الظهور والتداول، فكانت مفاجأة سارة للأوساط العلمية فى الشرق والغرب أن وُجِدَت فى حيازة أمير "حائل" الأمير حمود ابن الأمير عبد الرشيد من أمراء نجد نسخة مخطوطة كاملة من هذا الكتاب، طُبِع عليها الكتاب من زمن قريب، فأصبحت فى يدنا دائرة معارف غنية فى التفسير المأثور.
ولو أننا تتبعنا ما قاله العلماء فى تفسير ابن جرير، لوجدنا أن الباحثين فى الشرق والغرب قد أجمعوا الحكم على عظيم قيمته، واتفقوا على أنه مرجع لا غِنَى عنه لطالب التفسير، فقد قال السيوطى رضى الله عنه: "وكتابه - يعنى تفسير محمد بن جرير - أجَّل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين". وقال النووى: "أجمعت الأُمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبرى" وقال أبو حامد الإسفرايينى: "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن


الصفحة التالية
Icon