صادياً يستغيث غير مغاث... ولقد كان عصرة المنجود
أى المقهور - ومِنْ قول لبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم... وما كان وقافاً بغير معصر
وذلك تأويل يكفى من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين".
وكثيراً ما يقف ابن جرير مثل هذا الموقف حيال ما يروى عن مجاهد أو الضحاك أو غيرهما ممن يروون عن ابن عباس.
فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [٦٥] من سورة البقرة: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.. يقول ما نصه: "حدَّثنى المثنى، قال. حدَّثنا أبو حذيفة، قال: حدَّثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قال: "مُسِخَتَ قلوبهم ولم يمُسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم، كمثل الحمار يحمل أسفاراً".
ثم يعقب ابن جرير بعد ذلك على قول مجاهد فيقول ما نصه: "وهذا القول الذى قاله مجاهد، قول لظاهر ما دلَّ عليه كتاب الله مخالف".... الخ.
ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: فى الآية: [٢٢٩] من سورة البقرة أيضاً: ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولائك هُمُ الظالمون﴾.. نجده يروى عن الضحاك فى معنى هذه الآية: أنَ مَنْ طلَّق لغير العِدَّة فقد اعتدى وظلم نفسه، ومَنْ يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون. ثم يقول: "وهذا الذى ذُكر عن الضحاك لا معنى له فى هذا الموضع، لأنه لم يجر للطلاق فى العِدَّة ذكر فيقال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ﴾، وإنما جرى ذكر العدد الذى يكون للمطلِّق فيه الرجعة والذى لا يكون له فيه الرجعة، دون ذكر البيان عن الطلاق للعِدَّة".
... وهكذا نجد ابن جرير فى غير موضع من تفسيره، ينبرى للرد على مثل هذه الآراء التى لا تستند على شئ إلا على مجرد الرأى أو محض اللغة.
* *
* موقفه من الأسانيد:
ثم إن ابن جرير وإن التزم فى تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها، إلا أنه فى الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف، لأنه كان يرى - كما هو مقرر فى أصول الحديث - أنَّ مَن أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة أو الجرح، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة، ومع ذلك فابن جرير