أمانة وعناية، فهو جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير، فتراه ينقل لك عن تفسير ابن عطية، وتفسير أبى حيان، وتفسير الكشاف، وتفسير أبى السعود، وتفسير البيضاوى، وتفسير الفخر الرازى، وغيرها من كتب التفسير المعتبرة، وهو إذا نقل عن تفسير أبى السعود يقول - غالباً -: قال شيخ الإسلام. وإذا نقل عن تفسير البيضاوى يقول - غالباً -: قال القاضى، وإذا نقل عن تفسير الفخر الرازى يقول - غالباً -: قال الإمام. وهو إذ ينقل عن هذه التفاسير ينصب نفسه حَكَماً عدلاً بينها، ويجعل من نفسه نقَّاداً مُدققاً، ثم يبدى رأيه حراً فيما ينقل، فتراه كثيراً ما يعترض على ما ينقله عن أبى السعود، أو عن البيضاوى، أو عن أبى حيان، أو عن غيرهم. كما تراه يتعقب الفخر الرازى فى كثير من المسائل، ويرد عليه على الخصوص فى بعض المسائل الفقهية، انتصاراً منه لمذهب أبى حنيفة، ثم إنه إذا استصوب رأياً لبعض مَن ينقل عنهم، انتصر له ورجَّحَه على ما عداه.
* *
* موقف الألوسى من المخالفين لأهل السُّنَّة:
والألوسى سَلَفى المذهب سُّنِّى العقيدة، ولهذا نراه كثيراً ما يُفَنِّد آراء المعتزلة والشيعة، وغيرهم من أصحاب المذاهب المخالفة لمذهبه.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٥] من سورة البقرة: ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.. يقول بعد كلام طويل ما نصه: "... وإضافته - أى الطغيان - إليهم، لأنه فعلهم الصادر منهم، بقدرهم المؤثرة بإذن الله تعالى فالاختصاص المشعرة به الإضافة، إنما هو بهذا الاعتبار، لا باعتبار المحلية والاتصاف، فإنه معلوم لا حاجة فيه إلى الإضافة، ولا باعتبار الإيجاد استقلالاً من غير توقف على إذن الفعَّال لما يريد، فإنه اعتبار عليه غبار، بل غبار ليس له اعتبار، فلا تهولنك جعجعة الزمخشرى وقعقعته".
وانظر إلى ما كتبه قبل ذلك عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٧] من السورة نفسها: ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ تجده يطيل بما لا يتسع لذكره المقام هنا، من بيان إسناد الختم إليه عَزَّ وجلَّ على مذهب أهل السُّنَّة، ومن ذكر ما ذهب إليه المعتزلة فى هذه الآية وما ردَّ به عليهم، وفنَّد به تأويلهم الذى يتفق مع مذهبهم الاعتزالى.
ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١١] من سورة الجمعة: ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة والله خَيْرُ الرازقين﴾.. يقول ما نصه: "وطعن الشيعة لهذه الآية الصحابة رضى الله