ينتسبون إلى الإسلام ويضُمرون الكفر، وما كان بين علىّ ومعاوية من خلاف لم يكن له مثل هذا الخطر. وإن كان النواة التى قام عليها التحزب، ونبت عنها التفرق والاختلاف.
بدأ الخلاف بين المسلمين أول ما بدأ، فى أُمور اجتهادية لا تصل بأحد منهم إلى درجة الابتداع والكفر، كاختلافهم عن قول النبى صلى الله عليه وسلم: "إئتونى بقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدى" حتى قال عمر: إن النبى قد غيبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط فى ذلك حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم: "قوموا عنى، لا ينبغى عندى التنازع".
وكاختلافهم فى موضع دفنه - ﷺ - أيُدفن بمكة، لأنها مولده وبها قِبْلته ومشاعر الحج؟ أم يُدفن بالمدينة، لأنها موضع هجرته، وموطن أهل نُصرته؟ أم يُدفن ببيت المقدس، لأن بها تربة الأنبياء ومشاهدهم؟
وكالخلاف الذى وقع بينهم فى سقيفة بنى ساعدة فى تولية مَن يخلف رسول الله ﷺ بعد وفاته، وغير ذلك من الخلافات التى وقعت بينهم، ولم يكن لها خطرها الذى ينجم عنه التفرق ووقوع الفتنة والبغضاء بين المسلمين.
ظل الأمر على ذلك إلى زمن عثمان رضى الله عنه، وكان ما كان من خروج بعض المسلمين عليه، ومحاصرتهم لداره، وقتلهم له، فعرى المسلمين من ذلك الوقت رجة فكرية عنيفة، طاحت بالروية، وذهبت بكثير من الأفكار مذاهب شتَّى، فقام قوم يطالبون بدم عثمان، ثم نشبت الحرب بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما من أجل الخلافة، وكان لكل منهم شيعة وأنصار يشدون أزره، ويقوون عزمه، وتبع ذلك انشقاق جماعة علىّ كرَّم الله وجهه، بعد مسألة التحكيم فى الخلاف الذى بينه وبين معاوية، فى السنة السابعة والثلاثين من الهجرة، فظهرت من ذلك الوقت فرقة الشيعة، وفرقة الخوراج، وفرقة المرجئة، وفرقة أخرى تنحاز لمعاوية، وتؤيد الأمويين على وجه العموم.
ثم أخذ هذا الخلاف والتفرق، يتدرج شيئاً فشيئاً، ويترقى حيناً بعد حين، إلى أن ظهر فى أيام المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية، وكان أول مَن جهر بهذا المذهب ووضع الحجر الأساسى لقيام هذه الفِرْقة، معبد الجهنى الذى أخذ عنه مذهبه غيلان الدمشقى ومَن شاكله، وكان ينكر عليهم مذهبهم هذا مَن بقى من الصحابة كعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبى هريرة، وغيرهم.
ثم ظهر بعد هؤلاء - وفى زمن الحسن البصرى بالبصرة - خلاف واصل ابن عطاء


الصفحة التالية
Icon