أسمعه من غيرى"، فقرأتُ عليه حتى بلغت: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هاؤلاء شَهِيداً﴾ [النساء: ٤١] فاضت عيناه - صلى الله عليه وسلم". وكان رسول الله ﷺ يقول: "من سَرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزِل، فليقرأه على قراءة ابن أُم عبد". وكان ابن مسعود يعرف ذلك من نفسه ويعتنى به، حتى إنه كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف فى عهد عثمان، وكان يرى أنه أولى منه بذلك، وقد قال فى هذا: "يا معشر المسلمين، أُعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمتُ وإنه لفى صلب رجل كافر"؟ - يريد زيد بن ثابت -. وعن مسروق أنه قال: "انتهى علم أصحاب رسول الله ﷺ إلى ستة: عمر، وعلىّ، وعبد الله بن مسعود، وأُبَىّ بن كعب، وأبى الدرداء، وزيد بن ثابت، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى رجلين: علىّ، وعبد الله"، وقيل لحذيفة: أَخْبِرنا برجل قريب السمت والدل والهَدْى من رسول الله ﷺ نأخذ عنه، فقال: "لا نعلم أحداً أقرب سمتاً ولا هَدْياً برسول الله ﷺ من ابن أُم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن ابن أُم عبد أقربهم إلى الله وسيلة". ولما سيَّره عمر رضى الله عنه إلى الكوفة كتب إلى أهلها: "إنى قد بعثتُ عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلِّماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله ﷺ من أهل بدر فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسى".
وقد أقام رضى الله عنه بالكوفة يأخذ عنه أهلها الحديث والتفسير والفقه، وهو معلمهم وقاضيهم، ومؤسس طريقتهم فى الاعتداد بالرأى حيث لا يوجد النص، ولما قدم علىُّ الكوفة، حضر عنده قوم وذكروا له بعض قول عبد الله وقالوا: يا أمير المؤمنين؛ ما رأينا رجلاً أحسن خُلُقاً، ولا أرفق تعليماً، ولا أحسن مجالسة، ولا أشد ورعاً من ابن مسعود، قال علىّ: "أنشدكم الله أهو الصدق من قلوبكم"؟ قالوا: نعم، قال: "اللَّهم اشهد أنى أقول مثل ما قالوا وأفضل".
ومن هذا كله يتبين لنا مكانة ابن مسعود رضى الله عنه فى العلم، ومنزلته بين إخوانه من الصحابة، فالكل يشهد له ويُقدِّمه على غيره، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء من عباده.
* *
* قيمة ابن مسعود فى التفسير:
روى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"، ومن هذا الأثر يتضح لنا مقدار


الصفحة التالية
Icon