قيمة التفسير المأثور عن الصحابة
أطلق الحاكم فى المستدرك: أن تفسير الصحابى الذى شهد الوحى، له حكم المرفوع، فكأنه رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعزا هذا القول للشيخين حيث يقول فى المستدرك: "ليعلم طالب الحديث، أن تفسير الصحابى الذى شهد الوحى والتنزيل - عند الشيخين - حديث مسند" ولكن قيَّد ابن الصلاح، والنووى، وغيرهما، هذا الإطلاق، بما يرجع إلى أسباب النزول، وما لا مجال للرأى فيه، قال ابن الصلاح فى مقدمته ص (٢٤) :"ما قيل من أن تفسير الصحابى حديث مسند، فإنما ذلك فى تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابى، أو نحو ذلك مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبى ﷺ ولا مدخل للرأى فيه، كقول جابر رضى الله عنه: كانت اليهود تقول: مَن أتى امرأته من دُبُرها فى قُبُلها جاء الولد أحول، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]... الآية، فأما سائر تفاسير الصحابة التى لا تشتمل على إضافة شئ إلى الرسول ﷺ فمعدودة فى الموقوفات".
ولكنّا نجد الحاكم نفسه قد صرَّح فى "معرفة علوم الحديث" بما ذهب إليه ابن الصلاح وغيره حيث قال: ومن الموقوفات ما حدثناه أحمد بن كامل بسنده عن أبى هريرة فى قوله: ﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٩].. قال: تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحماً على عظم، قال: فهذا وأشباهه يُعدَ فى تفسير الصحابة من الموقوفات، فأما ما نقول: إن تفسير الصحابة مسند، فإنما نقوله فى غير هذا النوع.. " ثم أورد حديث جابر فى قصة اليهود وقال: "وفهذا وأشباهه مسند ليس بموقوف، فإن الصحابى الذى شهد الوحى والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت فى كذا فإنه حديث مسند".
فالحاكم قيَّد فى "معرفة علوم الحديث" ما أطلق فى "المستدرك"، فاعتمد الناس ما قيَّد، وتركوا ما أطلق، وعلَّل السيوطى فى "التدريب" إطلاق الحاكم بأنه كان حريصاً على جمع الصحيح فى "المستدرك" حتى أورد فيه ما ليس من شرط المرفوع، ثم اعترض بعد ذلك على الحاكم، حيث عَدَّ الحديث المذكور عن أبى هريرة من الموقوف،