فقال: قال لى ابن عمر: وددتُ أن نافعاً يحفظ حفظك. وقال الذهبى فى الميزان، فى آخر ترجمة مجاهد: أجمعت الأُمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به. وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
كل هذه شهادات من العلماء النُقَّاد تشهد بعلو مكانته فى التفسير.
ولكن مع هذا كله، كان بعض العلماء لا يأخذ بتفسيره، فقد روى الذهبى فى ميزانه: أن أبا بكر بن عياش قال: قلت للأعمش: ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ أو ما بالهم يَتَّقون تفسير مجاهد؟ - كما هى رواية ابن سعد - قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
هذا هو كل ما أُخِذ على تفسيره ولكن لم نر أحداً طعن عليه فى صدقه وعدالته. وجملة القوَل فإن مجاهداً ثقة بلا مدافعة، وإن صح أنه كان يسأل أهل الكتاب فما أظن أنه تخطى حدود ما يجوز له من ذلك، لا سيما وهو تلميذ حَبْر الأُمة ابن عباس. الذى شدَد النكير على مَن يأخذ عن أهل الكتاب ويُصَدِّقهم فيما يقولونه مما يدخل تحت حدود النهى الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* *
* مجاهد والتفسير العقلى:
وكان مجاهد - رضى الله عنه - يعطى عقله حرية واسعة فى فهم بعض نصوص القرآن التى يبدو ظاهرها بعيداً، فإذا ما مَرَّ بنص قرآنى من هذا القبيل، وجدناه ينزله بكل صراحة ووضوح على التشبيه والتمثيل، وتلك الخطة كانت فيما بعد مبدءاً معترفاً به ومقرراً لدى المعتزلة فى تفسير القرآن بالنسبة لمثل هذه النصوص.
وإذا نحن رجعنا إلى تفسير ابن جرير وقرأنا بعض ما جاء فيه عن مجاهد نجده يطبق هذا المبدأ عملياً فى مواضع كثيرة.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٦٥] من سورة البقرة: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ نجده يقولَ - كما يروى عنه ابن جرير -: "مُسِخَت قلوبهم ولم يُمسَخوا قردة، وإنما هو مَثَلٌ ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً". ولكن نجد ابن جرير لا يرتضى هذا التفسير من مجاهد فيقول معقباً عليه: وهذا القول الذى قاله مجاهد قول لظاهر ما دلَّ عليه كتاب الله مخالف.. ثم يمضى فى تفنيد هذا القول بأدلة واضحة قوية.
وكذلك نجد ابن جرير ينقل عن مجاهد أنه فسَّر قوله تعالى فى الآيتين [٢٢، ٢٣] من سورة القيامة: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.. بقوله: "تنتظر الثواب