وأما ما قيل من أنه توفى هو وكثير الشاعر فى يوم واحد فلم يشهد أحد جنازته، بخلاف كثير فقد شيَّعه الكثير من الناس، فلسنا نعلم نصيب هذا القول من الصحة، ولعل ذلك على فرض صحته - كما يقول ابن حجر - كان بسبب تطلب الأمير له وتغيبه عنه حتى مات. وليس صحيحاً ما قيل من أن هذا يرجع إلى تحقير المولى إزاء تشريف الحر.
ويحقق ابن حجر بعد هذا: أن ما نُقل من أنهم شهدوا جنازة كثير وتركوا عكرمة، لم يثبت، لأن ناقله لم يُسَم.
وأما ما رُمى به من الميل للخوراج، فافتراء عليه، ولا يكاد يتفق مع سلوكه فى حياته، قال ابن حجر: "فأما البدعة، فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه، لأنه لم يكن داعية، مع أنها لم تثبت عليه".
* *
* شهادات الموَثِّقين له:
ولو أننا تتبعنا أقوال المنصفين، الذين عرفوا حقيقة هذا التابعى الجليل، لوجدناه رجلاً ثبتاً، لا يُتهم فى عدالته، وكل ما قيل فى شأنه من التهم لا يُراد به إلا أن يفقد الناس ثقتهم به وركونهم إليه. وإليك ما قاله بعض علماء الجرح والتعديل لتقف على عدالة الرجل وصدق روايته..
قال المرزوى: قلت لأحمد: يُحتج بحديث عِكرمة؟ فقال. نعم يُحتج به. وقال ابن معين: إذا رأيت إنساناً فى عِكرمة، وفى حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام. وقال العجلى فيه: مكى تابعى ثقة، برئ مما يرميه به الناس من الحرورية. وقال البخارى: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكِرمة. وقد وَثَّقه النسائى وأخرج له فى كتابه السنن، كما أخرج له البخارى، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم، وكان مسلم بن الحجاج من أسوئهم رأياً فيه، ثم عدله بعد ما جَرَّحه. وقال المروزى: أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عِكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل الحديث من أهل عصرنا، منهم أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى ابن معين، وأبو ثور، ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال: عِكرمة عندنا إمام الدنيا - تَعَجَّبَ من سؤالى إياه!
وبعد... فهل هناك من يُقَدَّم على البخارى ومسلم وجميع مَن ذكرت من علماء الرواية فى باب التعديل والتجريح؟، وإذا كان هؤلاء هم أعلم الناس بالرجال، فهل تقبل تجريح من عداهم ونترك توثيقهم؟