فى فنون العلم. وعن سليمان بن أبى مجلز قال: ما رأيت أحداً أفقه من الشعبى، لا سعيد بن المسيب، ولا طاووس، ولا عطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين. وعن أبى بكر الهذلى قال: قال لى ابن سيرين: الزم الشعبى، فلقد رأيته يُستفتَى والصحابة متوافرون. وقال ابن سيرين: قدمت الكوفة وللشعبى حلقة، وأصحاب رسول الله ﷺ يومئذ كثير. وقال عاصم: ما رأيت أحداً أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز من الشعبى.
كل هذه الشهادات من العلماء، تدل على مبلغ علم الشعبى وعظيم حظه منه على اختلاف فنونه، فمن حديث، إلى تفسير، إلى فقه، إلى شعر، إلى قوة حفظ، وكثرة أخذ عن الصحابة وعلماء الأمصار المختلفة. وإذا كان الشعبى يُفتِى مع وجود الصحابة ووفرتهم، ويجلس له كثير من أهل العلم يأخذون عنه، فتلك لعمرى أكبر دلالة على عظيم مكانته العلمية، وعلو منزلته بين أتباعه ومعاصريه.
وإذا كان الشعبى قد رُزِق حظاً وافراً من العلم، ونال إعجاب معاصريه، فإنه مع ذلك لم يكن جريئاً على كتاب الله حتى يقول فيه برأيه، بل كان يتحرج من ذلك، ويتوقف عن إجابة سائليه إذا لم يكن عنده شئ عن السَلَف، فقد قال ابن عطية: "كان جُلَّة من السلَفَ، كسعيد بن المسيب، وعامر الشعبى، يعظمون تفسير القرآن. ويتوقفون عنه. تورعاً واحتياطاً لأنفسهم، مع إدراكهم وتقدمهم".
وأخرج الطبرى عن الشعبى أنه قال: "واللهِ ما من آية إلا سألت عنها ولكنها الرواية عن الله".
وأخرج عنه أيضاً أنه قال: "ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأى" ومع هذا التوقف فإنَّا نرى الشعبى رجلاً نقَّاداًَ لرجال التفسير فى عصره. وكثيراً ما كان يُصرِّح بالطعن على مَن لا يعجبه مسلكه فى التفسير من معاصريه فقد ذكر أبو حيان: "أن الشعبى كان لا يعجبه تفسير السدى، ويطعن عليه وعلى أبى صالح، لأنه كان يراهما مقصرين فى النظر".
وروى ابن جرير: أن الشعبى كان يمر بأبى صالح باذان فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تُفسِّر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن. وروى ابن جرير أيضاً عن صالح بن مسلم قال: مَرَّ الشعبى على السدى وهو يفسِّر فقال: لأن يُضرب على إستك بالطبل خير لك من مجلسك هذا.