مميزات التفسير فى هذه المرحلة
يمتاز التفسير فى هذه المرحلة بالمميزات الآتية:
أولاً: دخل فى التفسير كثير من الإسرائيليات والنصرانيات، وذلك كثرة مَن دخل من أهل الكتاب فى الإسلام، وكان لا يزال عالقاً بأذهانهم من الأخبار ما لا يتصل بالأحكام الشرعية، كأخبار بدء الخليقة، وأسرار الوجود، وبدء الكائنات. وكثير من القصص. وكانت النفوس ميَّالة لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فتساهل التابعون فزجوا فى التفسير بكثير من الإسرائيليات والنصرانيات بدون تحرٍّ ونقد. وأكثر من رُوى عنه فى ذلك من مسلمى أهل الكتاب: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. ولا شك أن الرجوع إلى هذه الإسرائيليات فى التفسير أمر مأخوذ على التابعين كما هو مأخوذ على مَن جاء بعدهم.
وسنأتى بعرض لهذه الناحية عرضاً موسعاً عند الكلام عن أسباب الضعف فى رواية التفسير المأثور إن شاء الله تعالى.
ثانياً: ظل التفسير محتفظاً بطابع التلقى والرواية، إلا أنه لم يكن تلقياً ورواية بالمعنى الشامل كما هو الشأن فى عصر النبى ﷺ وأصحابه، بل كان تلقياً ورواية يغلب عليهما طابع الاختصاص، فأهل كل مصر يعنون - بوجه خاص - بالتلقى والرواية عن إمام مصرهم، فالمكيون عن ابن عباس، والمدنيون عن أُبَىّ، والعراقيون عن ابن مسعود... وهكذا.
ثالثاً: ظهرت فى هذا العصر نواة الخلاف المذهبى، فظهرت بعض تفسيرات تحمل فى طيَّاتها هذه المذاهب، فنجد مثلاً قتادة بن دعامة السدوسى يُنسب إلى الخوض فى القضاء والقَدَر ويتُهم بأنه قدرى، ولا شك أن هذا أثَّرَ على تفسيره، ولهذا كان يتحرج بعض الناس من الرواية عنه. ونجد الحسن البصرى قد فسَّر القرآن على إثبات القَدَر، ويُكَفِّر مَن يُكذِّب به كما ذكرنا ذلك فى ترجمته.
رابعاً: كثرة الخلاف بين التابعين فى التفسير عما كان بين الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان اختلافاً قليلاً بالنسبة لما وقع بعد ذلك من متأخرى المفسِّرين.
* * *


الصفحة التالية
Icon