قال أبو محمد: وهو جلد جفر ادَّعوا أنه كتب فيه لهم الإمام كل ما يحتاجه إلى علمه، وكل ما يكون إلى يوم القيامة، فمن ذلك قولهم فى قول الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ [النمل: ١٦] : إنه الإمام ورث النبى ﷺ علمه. وقولهم فى قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ [البقرة: ٦٧] : إنها عائشة رضى الله عنها، وفى قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ [البقرة: ٧٣] : إنه طلحة والزبير. وقولهم فى الخمر والميسر: إنهما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما.. والجبت والطاغوت: إنهما معاوية وعمرو بن العاص.. مع عجائب أرغب عن ذكرها، ويرغب مَن بلغه كتابنا هذا عن استماعها.
وكان بعض أهل الأدب يقول: ما أشبه تفسير الرافضة للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر، فإنه قال ذات يوم: ما سمعتُ بأكذب من بنى تميم، زعموا أن قول القائل:

بيت زرارة محتب بفنائه ومجاشع، وأبو الفوارس نهشل
إنه فى رجال منهم.. قيل له: فما تقول أنت فيهم؟ قال: البيت: بيت الله. وزرارة: الحِجْر، قيل: فمجاشع؟ قال: رمز.. جشعت بالماء. قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس، قيل له: فنهشل؟ قال: نهشل.. أشده، وفكر ساعة ثم قال: نهشل: مصباح الكعبة، لأنه طويل أسود، فذلك نهشل.
وهم أكثر البدع اقترافاً ونحلاً، فمنهم قوم يقال لهم البيانية، يُنسبون إلى رجل يقال له "بيان"، قال لهم: إلىّ أشار الله تعالى إذ قال: ﴿هاذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٨]..
وهم أول مَن قال بخلق القرآن، ومنهم المنصورية، أصحاب أبى منصور الكسْف، وكان قال لأصحابه: فىّ نزل قوله: ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً﴾ [الطور: ٤٤].. ومنهم الخنَّاقون والشدَّاخون، ومنهم الغرَّابية، وهم الذين ذكروا أن علياً رضى الله عنه كان أشبه بالنبى ﷺ من الغراب بالغراب، فتغلط جبريل عليه السلام حيث بُعِثَ إلى علىّ لشبهه به.
قال أبو محمد: ولا نعلم فى أهل البدع والأهواء أحداً ادَّعى الربوبية لبَشر غيرهم، فإن عبد الله بن سبأ، ادَّعى الربوبية لعلىّ فأحرق علىُّ أصحابه بالنار، وقال فى ذلك:


الصفحة التالية
Icon