الصلاة والصيام، وذلك إظهاراً لكرامة النبى والإمام، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحى، ثم لم يكن الاختيار إلا بالإلهام، وله فى الشرع شواهد: حرَّم الله الخمر، وحرَّم النبى كل مسكر فأجازه الله، وفرض الله الفرائض ولم يذكر الجد، فجعل النبى للجد السدس، وكان النبى يُبَشِّر ويُعطى الجنَّة على الله ويجيزه الله.
وأيضاً فوَّض الله للنبى والأئمة من بعده أُمور الخلق، وأُمور الإدارة والسياسة من التأديب والتكميل والتعليم، وواجب على الناس طاعتهم فى كل ذلك. قالوا: وهذا حق ثابت دلَّت الأخبار عليه.
وأيضاً فوَّضهم الله تعالى فى البيان، بيان الأحكام والإفتاء وتفسير آيات القرآن وتأويلها، ولهم أن يُبيِّنوا ولهم أن يسكتوا، ولهم فوق ذلك البيان كيفما أرادوا وعلى أى وجه شاءوا، تَقيَّة منهم وعلى حسب الأحوال والمصلحة. والتفويض بهذا المعنى يدَّعون أنه حق ثابت لهم، والأخبار ناطقة به وشاهدة عليه. يقول صاحب الكافى: "سأل ثلاثة من الناس الصادق عن آية واحدة فى كتاب الله فأجاب كل واحد بجواب، أجاب ثلاثة بأجوبة ثلاثة، واختلاف الأجوبة فى مسألة واحدة كان يقع إما على سبيل التقيَّة وإما على سبيل التفويض".
وهناك نوع آخر من التفويض يثبتونه للنبى والأئمة، ذلك هو أن النبى أو الإمام له أن يحكم بظاهر الشريعة، وله أن يترك الظاهر ويحكم بما يراه وما يلهمه الله من الواقع وخالص الحق فى كل واقعة، كما كان لصاحب موسى فى قصة الكهف، وكما وقع لذى القرنين.
ثم كان من توابع هذه العقيدة التى يعتقدونها فى أئمتهم أن قالوا بعصمة الأئمة، وقالوا بالمهدى المنتظر، وقالوا بالرجعة، وقالوا بالتَقيَّة، وهذه كلها عقائد رسخت فى أذهانهم وتمكنت من عقولهم، فأخذوا بعد هذا ينظرون إلى القرآن الكريم من خلال هذه العقائد ففسَّروا القرآن وفقاً لهواهم، وفهموا نصوصه وتأوَّلوها حسبما تمليه عليهم العقيدة ويزينه لهم الهوى.. وهذا تفسير بالرأى المذموم، تفسير مَن اعتقد أولاً، ثم فسَّر ثانياً بعد أن اعتقد.
* *
* تأثير الإمامية الإثنا عشرية بآراء المعتزلة وأثر ذلك فى تفسيرهم:
هذا.. وإن الإمامية الإثنا عشرية لهم فى نصوص القرآن التى تتصل بمسائل علم الكلام نظرة تتفق إلى حد كبير مع نظرة المعتزلة إلى هذه النصوص نفسها، ولم يكن بينهم وبين المعتزلة خلاف إلا فى مسائل قليلة، ويظهر أن هذا الارتباط الوثيق الذى كان بين الفريقين راجع إلى تتلمذ الكثير من شيوخ الشيعة وعلمائهم لبعض شيوخ


الصفحة التالية
Icon