لدن نزول التوراة إلى نزول البيان بأنها تافهة باردة، عقيمة جامدة، مضلة مبعدة، محرَّفة مفسدة، لأن أصحابها خاضوا فيما لا علم لهم به، والعلم فى نظره عند البهاء وحده.
كذلك نجد أبا الفضائل يُفسِّر قوله تعالى فى الآية [٣١] من سورة المدثر: ﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بما لا يقره شرع، أو يرضى به عقل فيقول: "إن لفظ المَلَك واحد الملائكة، والملائكة في اللُّغة العربية توافق لفظاَ ومعنى ما في اللُّغة العبرانية، حيث إنها مأخوذة من الأصل السامى، الذى اشتُقَّت منه اللُّغات: السريانية، والعبرانية، والعربية، والآشورية، والكلدانية، وهو يفيد معنى المالكية والاستيلاء على شىء، فكما أنه أطلق لفظ المَلَك والملائكة في الكلمات النبوية المحفوظة في الكتب السماوية على النفوس القدسية، والأئمة الهداة، لخلعهم ثياب البشرية وتخلقهم بالأخلاق الروحانية الملكوتية، فملكوا زمام الهداية وصاروا ملوك ممالك الولاية، كأنهم أُعطوا سلطة مطلقة فى سعادة الناس وشقاوتهم، وهدايتهم وضلالهم، وهذا هو معنى الولاية المطلقة التى جاءت فى الأخبار، ولذا سمى سيد الأبرار وأمير الأبرار، بقسيم الجنة والنار. كذلك أطلق هذا اللفظ فى الكلمات النبوية على رؤساء الأشرار، وأئمة الضلال، حيث إنهم قادة الفُجَّار يقودونهم إلى النار ولذا أطلق عليهم لفظ الملائكة، كما أنه أطلق عليهم لفظ الأئمة فى قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ [القصص: ٤١]. ثم استدل أبو الفضائل بعبارات من الكتب القديمة على جواز إطلاق الملائكة على أئمة الجور والضلال، ثم تكلم عن سر تخصيص العدد بتسعة عشر، فذكر أن الديانات أبواب لدخول جنة الله ورضوانه، كما أنها أبواب للدخول فى جهنم بسخط الله حين تغييرها مثلاً... ثم استطرد من هذا إلى أن الباب كما يُطلق أيضاً على الديانات، يُطلق أيضاً على الأنبياء وكبار الأولياء، واستدل على هذا بعبارة نقلها عن الجامعة وردت فى شأن الأئمة وهى: "أنتم باب الموتى والمأخوذ عنه" قال: وإليه أشير فى الآية الكريمة: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب﴾ [الحديد: ١٣]، بعد أن قرر هذا، ادَّعى "أن أبواب الجنة كانت عند ظهور النقطة الأولى تسعة عشر، وهى
ثمانية عشر حروف "الحى" والنقطة الفردانية، وبهم صعد المخلصون إلى الذروة العليا، ودخلوا الجنة.... ثم عارض الدجال الرب سبحانه فعيَّن تسعة عشر إنساناً من رؤساء أصحابه ودهاة أحبابه، لإضلال أهل الإيمان، ومعارضة جمال الرحمن"، ثم قال: "فالمراد بملائكة النار فى الآية المباركة هو هذه الرجال من أصحاب الدجال وأئمة