نداء، وتُصوِّت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه، فأعرتموهما آذاناً صُما، وقلوباً غُلْفاً، وأفهاماً مريضة، وعقولاً مهيضة، وأذهاناً كليلة، وخواطر عليلة، وأنشدتم بلسان الحال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويتُ وإن ترشد غزية أرشد
فدعوا - أرشدكم الله وإياى - كتباً كتبها لكم الأموات من أسلافكم، واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم، ومتعبدهم ومتعبدكم، ومعبودهم ومعبودكم، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأى، بأقوال إمامكم وإمامهم، وقدوتكم وقدوتهم، وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
دعوا كل قول عند قول محمد
فما آمِنٌ فى دينه كمخاطر
اللَّهم هادى الضال، مرشد التائه، موضح السبيل
اهدنا إلى الحق، وأرشدنا إلى الصواب، وأوضح لنا منهج الهداية".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآيات [٥٢-٥٤] من سورة الأنبياء: ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هاذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ نجده يذم المقلِّدة، وأَئمة المذاهب بما لا يليق أن يصدر من عالِم فى حق عالِم آخر ربما كان أفضل منه عند الله، وذلك حيث يقول: "... وهكذا يجيب هؤلاء المقلِّدة من أهل هذه المِلَّة الإسلامية، فإن العالم بالكتاب والسُّنَّة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأى المدفوع بالدليل... قالوا: هذا قد قال به إمامنا الذى وجدنا آباءنا له مقلِّدين، وبرأيه آخذين. وجوابهم هو ما أجاب به الخليل ههنا: ﴿قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾. أى في خسران واضح لا يخفى على أحد، ولا يلتبس على ذى عقل، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التى لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوى هذا الخسران خسران. وهؤلاء المقلِّدة من أهل الإسلام استبدلوا بكتاب الله وبسُنَّة رسوله كتاباً قد دُوِّنت فيه اجتهادات عالِم من علماء الإسلام، زعم أنه لم يقف على دليل يخالفها، إما لقصور منه، أو لتقصير فى البحث، فوجد ذلك الدليل مَن وجده، وأبرزه واضح المنار، كأنه عَلَم فى رأسه نار، وقال: هذا كتاب الله، أو هذه سُنَّة رسول الله، وأنشدهم: