وأتباعهما، فقد صار دفع أدلة الكتاب والسُّنَّة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم، وأى مانع من إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق، وأُصيب بها جماعة فى عصر النبوة. ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الازدراء على مَن يعمل بالدليل المخالف، لمجرد الاستبعاد العقلى، والتنطع فى العبارات، كالزمخشرى فى تفسيره، فإنه فى كثير من المواطن لا يقف عند دفع دليل الشرع بالاستبعاد، حتى يضم إلى ذلك الوقاحة فى العبارة، على وجه يوقع المقصرين فى الأقوال الباطلة، والمذاهب الزائفة. وبالجمة، فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة. وإجماع مَن يُعتد به من هذه الأمة سَلَفاً وخَلَفاً، وبما هو مُشاهَد فى الوجود، فكم من شخص من هذا النوع الإنسانى، وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب".
ويقف الشوكانى من المعتزلة موقف المعارضة فى مسألة غفران الذنوب. فعندما تعرَّض لتفسير قوله تعالى فى الآية [٥٣] من سورة الزمر: ﴿قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً﴾... الآية، نجده يقول: "... وأما ما يزعمه جماعة من المفسِّرين من تفسير هذه الآية بالتوبة، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين. وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات، فهو جمع بين الضب والنون، وبين الملاح والحادى، وعلى نفسها براقش تجنى، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين، وقد قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ﴾... فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال سبحانه: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾... قال الواحدى: المفسِّرون كلهم قالوا: إنّ هذه الآية فى قوم خافوا إن أسلموا أن لا يُغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام، كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هب أنها فى هؤلاء فكان ماذا؟ فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب، كما هو متفق عليه بين أهل العلم. ولو كانت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها، لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله".
* *
موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن
هذا.. ولم يرض الشوكانى موقف أهل السُّنَّة، ولا موقف المعتزلة من مسألة خلق القرآن، وإنما رضى أن يكون من العلماء الوقوف فى هذه المسألة، فلم يجزم فيها برأى،