وغير هذا كثير نجده عندهم فى بطون الكتب، وهو لا يدع مجالاً للشك فى أن الخوارج قوم سطحيون فى فهمهم لآيات القرآن الكريم، وإدراك معانيه.
* *
موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن
ولقد كان من أثر جمود الخوارج عند ظواهر النصوص القرآنية. أنهم لم يلتفتوا إلى ما جاء من الأحاديث النبوية ناسخاً لبعض آيات الكتاب. أو مخصصاً لبعض عموماته، أو زائداً على بعض أحكامه، ويظهر أن هذا المبدأ قد تملَّك قلوب الخوارج، وتسلَّط على عقولهم، فنتج عنه أن وضع بعضهم على رسول الله ﷺ هذا الحديث، وهو: "إنكم ستختلفون من بعدى، فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، وما خالفه فليس عنى" فقد قال عبد الرحمن المهدى: "الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: ما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب الله... إلخ".
كما كان من أثر هذا الجمود عند ظواهر القرآن أيضاً، أنهم لم يلتفتوا إلى إجماع الأمة، ولم يقدِّروه عند فهمهم لنصوص القرآن مع أن الإجماع فى الحقيقة يستند إلى أصل من الكتاب أو السُّنَّة، وليس أمراًَ مبتدعاً فى الدين، أو خارجاً على قواعده وأُصوله.
وفي هذا كله نجد العلامة ابن قتيبة يحدثنا عن بعض أحكام احتج بها الخوارج، وهي مخالفة لإجماع الأُمة. ومناقضة لما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يبطلها القرآن.. فيقول:
"قالوا: حكم فى الرجم يدفعه الكتاب.. قالوا: رويتم أن رسول الله ﷺ رجم، ورجمت الأئمة من بعده، والله تعالى يقول فى الإماء: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب﴾ [النساء: ٢٥]، والرجم إتلاف للنّفس لا يتبعض، فكيف يكون على الإماء نصفه؟.. وذهبوا إلى أن المحصنات: ذوات الأزواج.. قالوا: وفى هذا دليل على أن المحصنة حدها الجَلْد".
"قالوا: حكم فى الوصية يدفعه الكتاب.. قالوا: رويتم أن رسول الله ﷺ قال: "لا وصية لوارث"، والله تعالى يقول: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين﴾ [البقرة: ١٨٠]، والوالدان وارثان على كل حال لا يحجبهما أحد عن الميراث. وهذه الرواية خلاف كتاب الله عَزَّ وجَلَّ".
"قالوا: حكم فى النكاح يدفعه الكتاب.. قالوا: رويتم أن رسول الله ﷺ قال: "لا


الصفحة التالية
Icon