اللون، والتركيب، والتحيز، والحدود، والحلول، وذلك كله يستلزم الحدوث، وذلك كله محال على الله، وإذا كان ذلك مستلزماً عقلاً لم يختلف دنيا وأخرى، فالرؤية محال دنيا وأخرى. ولا بالإيمان، والكفر، والنبوة، وعدمها".
وعند قوله تعالى فى الآية [١٥٣] من سورة النساء: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾... الآية، يقول: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِم﴾ إذ سألوا رؤية الله جَلَّ وعَلا الموجبة للتشبيه... وقالت الأشعرية: الصاعقة إنما هى من أجل امتناعهم من الإيمان بما وجب إيمانه إلا بشرط الرؤية، لا من أجل طلب الرؤية. وهو خلاف ظاهر الآية، مع أن الرؤية توجب التحيز، والجهات، والتركيب، والحلول، واللون، وغير ذلك من صفات الخلق. ويدل لما قلته قوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار﴾ [الأنعام: ١٠٣]. والأشعرية لما أُفحموا قالوا: بلا كيف. وحديث الرؤية - إن صح - فمعناه: يزدادون يقيناً بحضور ما وعد الله فى الآخرة، فلا يشكون فى وجود الله وكمال صدقه، وقدرته، كما لا يشكون فى البدر".
* *
أفعال العباد
وإذا كان المؤلف يتأثر بآراء المعتزلة أحياناً، فإنه يُصرِّح بمخالفتهم فى بعض المسائل، فمثلاً نراه يقرر: أن فعال العباد كلها بإرادة الله تعالى وأن العبد لا يخلق أفعال نفسه. ونراه يرد على المعتزلة ولا يرضى موقفهم من هذه المسألة، فمثلاً عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [١٠٧] من سورة الأنعام: ﴿وَلَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾... الآية، يقول: "ولو شاء الله عدم إشراكهم بالله تعالى ما أشركوا به تعالى شيئاً، فالآية دليل على أن إشراكهم بإرادة الله ومشيئته، وفيه رد على المعتزلة فى قولهم: لم يرد معصية العاصى.. وزعموا أن المعنى: لو شاء الله لأكرههم على عدم الإشراك، ولزم عليهم أن يكون مغلوباً على أمره إذا عُصى ولم يرد المعصية، بل أراد الإيمان منهم ولم يقع - تعالى الله عن ذلك - والحق أن المعصية بإرادته ومشيئته، مع اختيار العاصى، لا جبر، للذم عليها والعقاب والنهى عنها".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٦٢] من سورة الزمر: ﴿الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾... يقول: "من إيمان، وكفر، وخير، وشر، مما هو كائن دنيا وأُخرى".
* *