نَصِيراً}.. فالظاهر غير مراد عندهم، ويقولون: عنى بذلك غير النبى، لأن مثل هذا لا يليق أن يكون موجهاً للنبى عليه الصلاة والسلام، وإنما هو معنى به من قد مضى، أو هو من باب: "إياكِ أعنى واسمعى يا جارة".
كذلك مكَّنهم هذا المبدأ من إرجاع الضمير إلى ما لم يسبق له ذكر، كما فى قوله تعالى فى الآية [١٥] من سورة يونس: ﴿قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ﴾.. حيث يفسرون "أو بَدِّلُه" بمعنى أو بدِّل علياً. ومعلوم أن علياً لم يسبق له ذكر، ولم يكن الكلام مسوقاً فى شأن خلافته وولايته.
ومما ساغ لهم أن يقولوه بعد تقريرهم لمبدأ القول بالباطن: أن تأويل الآيات القرآنية لا يجرى على أهل زمان واحد، بل عندهم أن كل فقرة من فقرات القرآن لها تأويل يجرى فى كل آن، وعلى أهل كل زمان، فمعانى القرآن على هذا متجددة. حسب تجدد الأزمنة وما يكون فيها من حوادث. بل وساغ لهم ما هو أكثر من ذلك فقالوا: إن الآية الواحدة لها تأويلات كثيرة مختلفة متناقضة، وقالوا: إن الآية الواحدة يجوز أن يكون أولها فى شئ وآخرها فى شئ آخر.. ولا شك أن باب التأويل الباطنى باب واسع يمكن لكل مَن ولجه أن يصل منه إلى كل ما يدور بخلده ويجيش بخاطره.
وليس لقائل أن يقول: إن رسول الله ﷺ صرَّح بأن للقرآن باطناً، وأن المفسِّرين جميعاً يعترفون بذلك ويقولون به، فكيف توجه اللوم إلى الإمامية وحدهم؟ ليس لقائل أن يقول ذلك، لأن الباطن الذى أشار إليه الحديث وقال به جمهور المفسِّرين، هو عبارة عن التأويل الذى يحتمله اللفظ القرآنى، ويمكن أن يكون من مدلولاته. أما الباطن الذى يقول به الشيعة فشئ يتفق مع أذواقهم ومشاربهم، وليس فى اللفظ القرآنى الكريم ما يدل عليه ولو بالإشارة.
* *
* مخلصهم من تناقض أقوالهم فى التفسير:
ثم إن الإمامية الإثنا عشرية، أحسوا بخطر موقفهم وتحرجه عندما جوَّزوا أن يكون للآية الواحدة أكثر من تفسير واحد مع التناقض والاختلاف بين هذه التفاسير. فأخذوا يموِّهون على العامة ويضللونهم، فقرروا من المبادئ ما أوجبوا الاعتقاد به أولاً على الناس ليصلوا بعد ذلك إلى مخلص يتخلصون به من هذا المأزق الحرج، فكان من هذه المبادئ التى قرروها وأوجبوا الاعتقاد بها ما يأتى:
أولاً: أن الإمام مفوَّض من قِبَلِ الله فى تفسير