من أجل هذا الميزان، فمنه ذو ساق وهو الشجر، ومنه ما لا طاق له وهو النجم، فاختلفت السجدتان، ﴿والسمآء رَفَعَهَا﴾ وهى قبة الميزان، ﴿وَوَضَعَ الميزان﴾ ليزن به الثقلان، ﴿أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان﴾ بالإفراط والتفريط من أجل الخسران، ﴿وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط﴾ مثل اعتدال نشأة الإنسان، إذ الإنسان لسان الميزان، ﴿وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان﴾ أى لا تفرطوا بترجيح إحدى الكفتين إلا بالفضل. وقال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الموازين القسط﴾ [الانبياء: ٤٧].. فاعلم أنه، ما من صنعة ولا مرتبة ولا حال ولا مقام إلا والوزن حاكم عليه علماً وعملاً، فللمعانى ميزان بيد العقل يُسمى المنطق، يحتوى على كفَّتين تُسمى المقدمتين، وللكلام ميزان يُسمى النحو يُوزن به الألفاظ لتحقيق المعانى التى تدل عليه ألفاظ ذلك اللِّسان، ولكل ذى لسان ميزان وهو المقدار المعلوم الذى قرنه الله بإنزال الأرزاق فقال: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الحجر: ١]، ﴿ولاكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ﴾.. وقد خلق جسد الإنسان على صورة الميزان، وجعل كفَّتيه: يمينه وشماله، وجعل لسانه: قائمة ذاته. فهو لأى جانب مال، وقرن الله السعادة باليمين، وقرن الشقاء بالشمال، وجعل الميزان الذى يوزن بالأعمال على شكل القَبَّان، ولها وُصِفَ بالثقل والخفة، ليجمع بين الميزان العددى وهو قوله تعالى:
﴿بِحُسْبَانٍ﴾، وبين ما يوزن بالرطل، وذلك لا يكون إلا فى القَبَّان، فلذلك لم يعيّن الكفَّتين، بل قال: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [القارعة: ٢] فى حق السعداء، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ [القارعة: ٨] فى حق الأشقياء، ولو كان ميزان الكفتين لقال: وأما مَن ثقلت كفَّة حسناته فهو كذا، وأما مَن ثقلت كفَّة سيئاته فهو كذا. وإنما جعل ميزان الثقل هو عَيْن ميزان الخفة كصورة القَبَّان، ولو كان ذا كفَّتين لوصف كفَّة السيئات بالثقل أيضاً إذا رجحت على الحسنات، وما وصفها قط إلا بالخفة فعرفنا أن الميزان على شكل القَبَّان.. ".
* *
إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية
وكذلك يخضع ابن عربى التفسير الصوفى النظرى إلى القواعد النحوية، أحياناً، ولكنه خضوع يكيفه الصوفى على حسب ما يرضى روحه ويوافق ذوقه، فنجد ابن عربى مثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٣٠] من سورة الحج: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.. يقول: "وقوله: ﴿عِندَ رَبِّهِ﴾ العامل فى هذا الظرف فى طريقنا قوله: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ﴾، أي مَن يعظمها عند ربه، أى فى ذلك الموطن، فلتبحث فى المواطن التى تكون فيها عند ربك ما هى؟.. كالصلاة مثلاً، فإن المُصَلِّى يناجى ربه، فإذا عظَّم حُرمة الله فى هذا الموطن كان خيراً له.. والمؤمن إذا نام