حب الدنيا من قلوبكم ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ فى العدد، كثير فى المعانى، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقَة".
وفى سورة الرعد عند قوله تعالى فى الآية [٣] :﴿وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾.. يقول: "قال بعضهم: هو الذى بسط الأرض وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ، وبهم النجاة، فمَن ضرب فى الأرض يقصدهم فاز ونجا، ومَن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر. سمعت علىّ بن سعيد يقول: سمعت أبا محمد الحريرى يقول: كان فى جوار الجنيد إنسان مصاب فى خربة؛ فلما مات الجنيد وحملنا جنازته حضر الجنازة، فلما رجعنا تقدم خطوات وعلا موضعاً من الأرض عالياً، فاستقبلنى بوجهه وقال: يا أبا محمد؛ إنى لراجع إلى تلك الخربة وقد فقدت ذلك السيد، ثم أنشد شعراً:
وما أسفى من فراق قوم... هم المصابيح، والحصون
والمدن، والمزن، والرواسى... والخير، والأمن، والسكون
لم تتغير لنا الليالى... حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب... وكل ماء لنا عيون"
وفى سورة الحج عند قوله تعالى فى الآية [٦٣] :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً﴾.. يقول: قال بعضهم: أنزل مياه الرحمةَ من سحائب القُربة، وفتح إلى قلوب عباده عيوناً من ماء الرحمة، فأنبتت فاخضرت بزينة المعرفة، وأثمرت الإيمان، وأينعت التوحيد. أضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها، وأناخت بين يديه، وعكفت فأقبلت عليه، وانقطعت عن الأكوان أجمع، ذاك آواها الحق إليه، وفتح لها خزائن أنواره، وأطلق لها الخيرة فى بساتين الأُنس، ورياض الشوق والقدس".
وفى سورة الرحمن عند قوله تعالى فى الآية [١١] :﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ والنخل ذَاتُ الأكمام﴾.. يقول: "قال جعفر: جعل الحق تعالى فى قلوب أوليائه رياض أُنسه، فغرس فيها أشجار المعرفة، أُصولها ثابتة فى أسرارهم، وفروعها قائمة بالحضرة فى المشهد، فهم يجنون ثمار الأُنس فى كل أوان، وهو قوله تعالى: ﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ والنخل ذَاتُ الأكمام﴾ أى ذات الألوان، كل يجتنى منه لوناً علَى قدر سعته، وما كوشفت له من بوادى المعرفة وآثار الولاية".
وفى سورة الانفطار عند قوله تعالى فى الآيتين [١٣، ١٤] :{إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ *