زينتها، وما زَيَّن للخلق فيها، لقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء والبنين﴾ [آل عمران: ١٤].. الآية، ليُظهر المحسن من المسىء، وليُميز الخبيث من الطيب، والمقبول من المردود، وكما قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٧].. ثم امتحنهم وقال تعالى: ﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني﴾ يعنى من أوليائه، ومحبى وطلابى، وله اختصاص بقربى، وقبولى، والتخلق بأخلاقى، ونيل الكرامة منى، كان النبى ﷺ يقول: "أنا من الله، والمؤمنون منى"، ﴿إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ : يعنى: مَن قنع من متاع الدنيا على ما لا بد منه: من المأكول، والمشروب، والملبوس، والمسكن، وصحبة الخلق. على حد الاضطرار بمقدار القوام، كما كان النبى ﷺ وأصحابه. وكان يقول: "اللَّهم ارزق آل محمد قوتاً" - أي ما يمسك رمقهم".
وفى سورة التوبة عند قوله تعالى فى الآية [١٢٣] :﴿ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين﴾.. يقول: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ﴾ أي صدَّقوا محمداً ﷺ فيما دلَّهم إلى الله بإذنه، ﴿قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار﴾ أى جاهدوا كفار النفس وصفاتها بمخالفة هواها صفاتها، وتبديلها وحملها على طاعة الله، والمجاهدة فى سبيله، فإنها تحجبك عن الله، ﴿وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ أى عزيمة صادقة فى فنائها بترك شهواتها ولذَّاتها ومستحسناتها، ومنازعتها فى هواها، وحملها على المتابعة فى طلب الحق، ﴿واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين﴾ بجذبة الوصول، ليتقوا به عما سواه، كما يتقى المرء بترسه عن النشاب، والرمح والسيف".
وفى سورة يوسف عند قوله تعالى فى الآيتين [٣٠، ٣١] :﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة امرأة العزيز تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هاذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.. يقول: "يشير بالنسوة إلى صفات البشرية النفسانية من البهيمية، والسبعية، والشيطانية فى مدينة الجسد، ﴿امرأة العزيز﴾ وهى الدنيا، ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ تطالب عبدها وهو القلب. كان عبداً فى البداية لحاجته إليها للتربية. قلما كمل القلب وصفا عن دنس البشرية استأهل المنظر الإلهى، فتجلى له الرب تبارك وتعالى فتنوّر القلب بنور جماله وجلاله، فاحتاج إليه كل شىء، وسجد له حتى الدنيا، ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً﴾ أى أحبته الدنيا غاية الحب، لما ترى عليه آثار جمال الحق.