الحلول لا تصلح للتوفيق بين جانبين متقابلين وطرفين متنافرين، ولذلك لم يجد الغزالى ومَن لَفَّ لفه صعوبة فى الرد على هؤلاء الفلاسفة الموفقين، وإبطال محاولاتهم، التى ظنوا أنهم أرضوا بها رجال الدين الواقفين عند حدوده وتعاليمه.
**
كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة
ثم إن الفلاسفة الموفقين بين الدين والفلسفة، كانت لهم طريقتان يسيرون عليهما فى توفيقهم.
أما الطريقة الأولى: فهى طريقة التأويل للنصوص الدينية والحقائق الشرعية، بما يتفق مع الآراء الفلسفية، ومعنى هذا إخضاع تلك النصوص والحقائق إلى هذه الآراء حتى تسايرهم وتتمشى معها.
وأما الطريقة الثانية: فهى شرح النصوص الدينية والحقائق الشرعية بالآراء والنظريات الفلسفية، ومعنى هذا أن تطغى الفلسفة على الدين وتتحكم فى نصوصه، وهذه الطريقة أخطر من الأولى، وأكثر شراً منها على الدين.
* *
الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم
مما تقدم يتضح لك أن علماء المسلمين لم يكونوا جميعاً على مبدأ واحد بالنسبة للآراء الفلسفية، بل وُجِد منهم مَن وقف منها موقف الرفض وعدم القبول، كما وُجِد منهم مَن وقف موقف الدفاع عنها والقبول لها، وكان من هؤلاء وهؤلاء أثر ظاهر فى تفسير القرآن الكريم.
أما الفريق المعاند للفلسفة.. فإنه لما فسِّر القرآن اصطدام بهذه النظريات الفلسفية، فرأى من واجبه كمفسِّر أن يعرض لهذه النظريات ويمزجها بالتفسير. إما على طريق الدفاع عنها وبيان أنها لا تتعارض مع نصوص القرآن، وذلك بالنسبة للنظريات الصحيحة عنده والمسلَّمة لديه، وإما على طريق الرد عليها، وبيان أنها لا يمكن أن تساير نصوص القرآن، وذلك بالنسبة للنظريات التى لا يُسلِّمها ولا يقول بها.
وهو فى الحالة الأولى يشرح القرآن على ما يوافق هذه النظريات التى لا يراها متعارضة مع الدين، وفى الحالة الثانية لا يمشى على ضوء النظريات الفلسفية فى تفسيره، بل يُفسِّر النصوص على ضوء الدين والعقل وحدهما، دون أن يكون للرأى الفلسفى دخل فى شرح النص القرآنى وبيان معناه، وممن فعل هذا فى تفسيره الإمام فخر الدين الرازى، ودونك التفسير فسترى فيه ما ذكرته.
وأما الفريق المسالم للفلسفة، المصدِّق بكل ما فيها من نظريات وآراء، فإنه لما فسَّر بالقرآن سلك طريقاً كله شر وضلال، إذ أنه وضع الآراء الفلسفية أمام عينيه، ثم نظر من


الصفحة التالية
Icon