تفسير الفقهاء
كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى
١- التفسير الفقهى من عهد النبوة إلى مبدأ قيام المذاهب الفقهية:
نزل القرآن الكريم مشتملاً على آيات تتضمن الأحكام الفقهية التى تتعلق بمصالح العباد فى دنياهم وأُخراهم، وكان المسلمون على عهد رسول الله ﷺ يفهمون ما تحمله هذه الآيات من الأحكام الفقهية بمقتضى سليقتهم العربية، وما أشكل عليهم من ذلك رجعوا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما توفى رسول الله ﷺ جدَّت للصحابة من بعده حوادث تتطلب من المسلمين أن يحكموا عليها حكماً شرعياً صحيحاً، فكان أول شىء يفزعون إليه لاستنباط هذه الأحكام الشرعية هو القرآن الكريم، ينظرون فى آياته، ويعرضونها على عقولهم وقلوبهم، فإن أمكن لهم أن يُنزلوها على الحوادث التى جدَّت فبها ونعمت، وإلا لجأوا إلى سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا فيها حكماً اجتهدوا وأعملوا رأيهم على ضوء القواعد الكلية للكتاب والسُّنَّة، ثم خرجوا بحكم فيما يحتاجون إلى الحكم عليه.
غير أن الصحابة فى نظرهم لآيات الأحكام كانوا يتفقون أحياناً على الحكم المستنبَط، وأحياناً يختلفون فى فهم الآية، فتختلف أحكامهم فى المسألة التى يبحثون عن حكمها، كالخلاف الذى وقع بين عمر بن الخطاب وعلىّ ابن أبى طالب فى عِدَّة الحامل المتوفى عنها زوجها، فعمر رضى الله عنه حكم بأن عِدَّتها وضع الحمل، وعلىّ حكم بأن عِدَّتها أبعد الأجلين: وضع الحمل، ومضى أربعة أشهر وعشرة أيام. وسبب هذا الخلاف تعارض نصَّين عامين فى القرآن، فإن الله سبحانه جعل عِدَّة المطلَّقة الحامل وضع الحمل، وجعل عِدَّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً من غير تفصيل. فذهب علىّ رضى الله عنه إلى العمل بالآيتين معاً، وأن كل آية منهما مخصصة لعموم الأخرى، وذهب عمر رضى الله عنه إلى أن آية الطلاق مخصصة لآية الوفاة، وقد تأيّد رأى عمر رضى الله عنه بما ورد أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية مات عنها زوجها، فوضعت الحمل بعد خمسة وعشرين يوماً من موته، فأحلَّها رسول الله ﷺ للأزواج.
وكالخلاف الذى وقع بين ابن عباس وزيد بن ثابت فى تقسيم ميراث مَن مات عن زوج وأبوين، فابن عباس رضى الله عنه أفتى بأن للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب