الباقى تعصيباً، وتمسكاً بظاهر قوله تعالى فى الآية [١١] من سورة النساء: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث﴾، وزيد بن ثابت رضى الله عنه ومعه بقية الصحابة أفتوا بأن للزوجة ثلث الباقى بعد فرض الزوج، نظراً لأن الأب والأُم ذكر وأُنثى ورثا بجهة واحدة، فللذكر مثل حظ الأُنثيين.
مثل هذا الخلاف كان يقع مع الصحابة رضى الله عنهم حسبما يفهمه كل منهم فى النص القرآنى، وما يحيط به من أدلة خارجية، ومع هذا الاختلاف فقد كان كل واحد من المختلفين يطلب الحق وحده، فإن ظهر له أنه من جانب مَن خالفه رجع إلى رأيه وأخذ به.
* *
التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية
ظل الأمر على هذا إلى عهد ظهور أئمة المذاهب - الأربعة وغيرها - وفيه جدَّت حوادث كثيرة للمسلمين لم يسبق لمن تقدمهم حكم عليها، لأنها لم تكن على عهدهم، فأخذ كل إمام ينظر إلى هذه الحوادث تحت ضوء القرآن والسُّنَّة، وغيرهما من مصادر التشريع، ثم يحكم عليها بالحكم الذى ينقدح فى ذهنه، ويعتقد أنه هو الحق الذى يقوم على الأدلة والبراهين، وكانوا يتفقون فيما يحكمون به أحياناً، وأحياناً يختلفون حسبما يتجه لكل منهم من الأدلة. غير أنهم مع كثرة اختلافهم فى الأحكام لم تظهر منهم بادرة للتعصب للمذهب، بل كانوا جميعاً ينشدون الحق ويطلبون الحكم الصحيح، وليس بعزيز على الواحد منهم أن يرجع إلى رأى مخالفه إن ظهر له أن الحق فى جانبه، فهذا هو الشافعى رضى الله عنه كان يقول. إذا صح الحديث فهو رأيى، وكان يقول: الناس عيال فى الفقه على أبى حنيفة، وكان يقول لأحمد بن حنبل وهو تلميذة فى الفقه: إذا صح الحديث عندك فأعلمنى به، وكان يقول: إذا ذُكِر الحديث فمالك النجم الثاقب... إلى غير ذلك مما يدل على انتشار روح التقدير والحب بين أُولئك الفقهاء، وهذه هى سُنَّة أسلافهم من الصحابة والتابعين.
* *
التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى
ثم خَلَفَ من بعد هؤلاء الأئمة خَلْفٌ سرت فيهم روح التقليد لهؤلاء الأئمة.. التقليد الذى يقوم على التعصب المذهبى، ولا يعرف التسامح، ولا يطلب الحق لذاته ولا ينشده تحت ضوء البحث الحر، والنقد البرئ.
ولقد بلغ الأمر ببعض هؤلاء المقلِّدة إلى أن نظروا إلى أقوال أئمتهم كما ينظرون إلى نص الشارع، فوقفوا جهدهم العلمى على نُصْرة مذهب إمامهم وترويجه، وبذلوا كل


الصفحة التالية
Icon