اقتص للشافعى من الجصَّاص، فرماه بالعبارات الساخرة، والألفاظ المقذعة "والجزاء من جنس العمل".
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٢٣] من سورة النساء: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾.... الآية، نجده يرد على الجصَّاص ما استدل به لمذهبه القائل بأن الزنا بامرأة يُحَرِّم على الزانى أُصول المرأة وفروعها، ويُفنِّد ما رد به الجصَّاص على الشافعى فى هذه المسألة، ثم يقول فى شأن الجصَّاص: "إنه لم يفهم معنى كلام الشافعى رضى الله عنه، ولم يميز بين محل ومحل، ولكل مقام مقال، ولتفهم معانى كتاب الله رجال، وليس هو منهم".
كما يقول: "وقد ذكر الشافعى مناظرة بينه وبين مسترشد طلب الحق فى هذه المسألة، فأوردها الرازى متعجباً منها، ومنبهاً على ضعف كلام الشافعى فيها، ولا شىء أدل على جهل الرازى وقِلَّة معرفته بمعانى الكلام من سياقه لهذه المناظرة، واعتراضاته عليها".
ويقول بعد قليل: "ولم يعلم هذا الجاهل معنى كلام الشافعى رضى الله عنه فاعترض علي بما قاله، وعجب الناس من ذلك، فقال: فى هذه المناظرة أعجوبة لمن تأمل. فكان كما قال القائل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً | وآفته من الفهم السقيم" |
هذا.. وإن المؤلف - رحمه الله - ليبين لنا فى مقدمة تفسيره الحامل له على تأليفه، ومنهجه الذى سلكه، وتقديره لكتابه فيقول: "ولما رأيت الأمر كذلك - يريد رجحان مذهب الشافعى على غيره - أردتُ أن أُصَنِّف كتاباً فى أحكام القرآن، أشرح ما ابتدعه الشافعى رضى الله عنه من أخذ الدلائل فى غوامض المسائل، وضممتُ إليه ما نسجته على منواله، واحتذيتُ فيه على مثاله، على قدر طاقتى وجهدى، ومبلغ وسعى وجَدِّى.. ولا يعرف قدر هذا الكتاب، وما فيه من العجب العجاب، ولباب الألباب، إلا مَن وفر حظه من علوم المعقول والمنقول، وتبحَّر فى الفروع والأُصول، ثم انكب على مطالعة هذه الفصول، بمسكة صحيحة، وقريحة همة غير قريحة".