لقوله تعالى فى الآية [٨٦] من سورة النساء: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ﴾.... الآية، حيث يقول: "المسألة السابعة: إذا كان الرد فرضاً بلا خلاف، فقد استدل علماؤنا على أن هذه الآية دليل على وجوب الثواب فى الهبة للعين، وكما يلزمه أن يرد مثل التحية يلزمه أن يرد مثل الهبة، وقال الشافعى: ليس فى هبة الأجنبى ثواب.. وهذا فاسد، لأن المرء ما أَعطى إلا ليعطى، وهذا هو الأصل فيها، وإنَّا لا نعمل عملاً لمولانا إلا ليعطينا، فكيف بعضنا لبعض"؟
* *
* حملته على مخالفى مذهبه:
وإن أردتَ أن تقف على مبلغ قسوته على أئمة المذاهب الأخرى وأتباعهم، فانظر إليه عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٢٢٩] من سورة البقرة: ﴿الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾.... الآية، حيث يقول: "المسألة الرابعة عشرة: هذا يدل على أن الخُلْع طلاق، خلافاً لقول الشافعى فى القديم إنه فسخ. وفائدة الخلاف أنه إن كان فسخاً لم يُعَد طلقة. قال الشافعى: لأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين وذكر الخُلْع بعده، وذكر الثالث بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾.
وهذا غير صحيح، لأنه لو كان كل مذكور فى معرض هذه الآيات لا يُعَد طلاقاً لوقوع الزيادة على الثلاث لما كان قوله تعالى ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ﴾ طلاقاً، لأنه يزيد به على الثلاث، ولا يفهم هذا إلا غبى أو متغاب.... إلخ".
وانظر إليه عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٤٣] من سورة النساء: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الغآئط أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً﴾... الآية، حيث يقول: "المسألة الثامنة والعشرون: قوله تعالى: "ماءً".. قال أبو حنيفة: هذا نفى فى نكرة وهو يعم لغة، فيكون مفيداً جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير لانطلاق اسم الماء عليه.. قلنا: استنوق الجمل إلى أن يستدل أصحاب أبى حنيفة باللُّغات، ويقولون على ألسنة العرب وهم ينبذونها فى أكثر المسائل بالعراء. واعلموا أن النفى فى النكرة يعم كما قلتم، ولكن فى الجنس، فهو عام فى كل ما كان من سماء، أو بئر، أو عين، أو نهر، أو بحر عذب أو ملح، فأما غير الجنس فهو المتغير فلا يدخل فيه، كما لم يدخل فيه ماء الباقلاء... ".
ونجده فى موضع من كتابه يرمى أبا حنيفة بأنه كثيراً ما يترك الظواهر والنصوص