الأول: علم الصدف والقشر، وجعل من مشتملاته: علم اللُّغة. وعلم النحو: وعلم القراءات، وعلم مخارج الحروف. وعلم التفسير الظاهر.
والثانى: علم اللُّباب. وجعل من مشتملاته: علم قصص الأوَّلين، وعلم الكلام، وعلم الفقه، وعلم أُصول الفقه، والعلم بالله واليوم الآخر، والعلم بالصراط المستقيم، وطريق السلوك.
ثم يعقد الفصل الخامس منه لكيفية انشعاب سائر العلوم من القرآن، فيذكر علم الطب والنجوم، وهيئة العالَم، وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه، وعلم السحر، وعلم الطلسمات... وغير ذلك، ثم يقول: "ووراء ما عددته علوم أُخرى، يُعلم تراجمها ولا يخلو العالَم عمن يعرفها، ولا حاجة إلى ذكرها بل أقول: ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التى لا يُتمارى فيها أن فى الإمكان والقوة أصنافاً من العلوم بعد لم تخرج من الوجود، وإن كان فى قوة الآدمى الوصول إليها، وعلوم كانت قد خرجت من الوجود واندرست الآن، فلن يوجد فى هذه الأعصار على بسيط الأرض مَن يعرفها، وعلوم أُخر ليس فى قوة البشر أصلاً إدراكها والإحاطة بها، ويحظى بها بعض الملائكة المقرَّبين، فإن الإمكان فى حق الآدمى محدود، والإمكان فى حق المَلَك محدود إلى غاية من النقصان، وإنما الله سبحانه هو الذى لا يتناهى العلم فى حقه".
ثم يقول بعد ذلك: "ثم هذه العلوم ما عددنا وما لم نعددها، ليست أوائلها خارجة من القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له، وأن البحر لو كان مِدَاداً لكلماته لنَفِدَ البحر قبل أن تنفد، فمن أفعال الله تعالى وهو بحر الأفعال - مثلاً - الشفاء والمرض كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠]، وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا مَن عرف الطب بكماله، إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه، ومن أفعاله تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بُحسْبان، وقد قال الله تعالى: ﴿الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: ٥]، وقال: ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ [يونس: ٥]، وقال: ﴿وَخَسَفَ القمر * وَجُمِعَ الشمس والقمر﴾ [القيامة: ٨-٩]، وقال: ﴿يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل﴾ [الحج: ٦١، لقمان: ٢٩] وقال: ﴿والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم﴾ [يس: ٣٨].. ولا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان وخسوفهما، وولوج الليل فى النهار، وكيفية تكور أحدهما