الخصوص، إلى غير ذلك، فاستنبطوا منه أحكام اللُّغة من الحقيقة والمجاز، وتكلموا فى التخصيص، والإضمار، والنص، والظاهر، والمُجمَل، والمُحْكَم، والمتشابه، والأمر، والنهى، والنسخ... إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة، واستصحاب الحال، والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه.
وأحكمت طائفة صحيح النظر، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام، وسائر الأحكام، فأسسوا أُصوله، وفرَّعوا فروعه، وبسطوا القول فى ذلك بسطاً حسناً، وسموه بعلم الفروع، وبالفقه أيضاً.
وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة، والأُمم الخالية، ونقلوا أخبارهم، ودوَّنوا آثارهم ووقائعهم، حتى ذكروا بدء الدنيا، وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ.
وتنبَّه آخرون لما فيه من الحِكَم، والأمثال، والمواعظ التى تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد، والوعيد، والتحذير، والتبشير، وذكر الموت، والمعاد، والنشر، والحشر، والحساب، والعقاب، والجنَّة، والنار، فصولاً من المواعظ، وأُصولاً من الزواجر، فسُمُّوا بذلك الخطباء والوُعَّاظ.
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير، مثل ما ورد فى قصة يوسف فى البقرات السمان، وفى منامى صاحبى السجن، وفى رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسَمُّوه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تأويل كل رؤيا من الكتاب، فإن عَزَّ عليهم إخراجها منه فمن السُّنَّة التى هى شارحة للكتاب، فإن عَزَّ فمن الحِكَم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام فى مخاطباتهم وعُرف عاداتهم، الذى أشار إليه القرآن بقوله: ﴿وَأْمُرْ بالمعروف﴾ [لقمان: ١٧].. وأخذ قوم مما فى آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك، علم الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النِصْف، والثُّلُث، والرُّبُع، والسُّدُس، والثُّمُن، حساب الفرائض، ومسائل العدل، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحِكَم الباهرة، فى الليل، والنهار، والشمس، والقمر، ومنازله، والبروج، وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت.
ونظر الكُتَّاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللَّفظ، وبديع النظم، وحُسن السياق، والمبادىء، والمقاطع، والمخالص، والتلوين فى الخطاب، والإطناب، والإيجاز، وغير ذلك واستنبطوا منه المعانى، والبيان، والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات، وأصحاب الحقيقة، فلاح لهم من ألفاظه معانٍ ودقائق، جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها، مثل: الفناء، والبقاء، والحضور. والخوف، والهيبة، والأُنس، والوحشة، والقبض، والبسط، وما أشبه ذلك.
هذه الفنون أخذتها المِلَّة الإسلامية منه، وقد أحتوى على علوم أُخَر من علوم