نجوم السماء؟ ولماذا اختُصَّت النجوم بالعدد والوضوء بالأثر؟ والذى نقوله: إن الحوض يُرمز به للعلم مع بقائه على ظاهره، فلا المسك الإذفر، ولا أنواع الجواهر النفيسة من دُّرٍّ وياقوت، ولا حلاوة العسل الذى فى ذلك الماء، ولا اتساع الحوض إلا أفانين العلم ومناظر بدائعه المختلفة المناهج، العذبة المشارب، السارة للناظرين... "، ثم يخلص من هذا كله إلى الاستدلال على أن ما ذهب إليه من قبيل الكناية التى هى لفظ أُطلق وأُريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصلى، ثم يقول - بعد بيان هذه الكناية: ".. هنا يكون النصر ولا يكون إلا بعد أن يتجافى الناس عن أفعال الملحدين والكافرين، وجعل العلوم مرتبطة بالربوبية كما تشير إليه سورة الكافرون. هنا يكون نصر الله والفتح، ويدخل الناس فى هذه العلوم الحقيقية أفواجاً. وعلى حكماء المسلمين الذين بعدنا متى نشروا هذه الآراء العلمية وأمثالها، ورأوا المسلمين تقدَّموا ونصروا العلم على الجهل فى العالَم الإنسانى، وأصبح المسلمون قائمين بما وعدهم ربهم من أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم رحمة للعالمين، متى رأى العلماء ذلك فيعلموا أن هذا هو النصر فى زماننا، وهو الفتح، وإذن فعلى القائمين بذلك أن يحمدوا ربهم ويستغفروه".. إلخ.
هذا هو تفسير الجواهر، وهذه نماذج منه وضعتها أمام القارئ، ليقف على مقدار تسلط هذه النزعة التفسيرية على قلم مؤلفه وقلبه.
والكتاب - كما ترى - موسوعة علمية، ضربت فى كل فن من فنون العلم بسهم وافر، مما جعل هذا التفسير يُوصف بما وُصِف به تفسير الفخر الرازى، فقيل عنه: "فيه كل شىء إلا التفسير" بل هو أحق من تفسير الفخر بهذا الوصف وأولى به، وإذا دلَّ الكتاب على شىء، فهو أن المؤلف رحمه الله كان كثيراً ما يسبح فى ملكوت السموات والأرض بفكره، ويطوف فى نواح شتَّى من العلم بعقله وقلبه، ليُجلى للناس آيات الله فى الآفاق وفى أنفسهم، ثم ليُظهر لهم بعد هذا كله أن القرآن قد جاء متضمناً لكل ما جاء ويجىء به الإنسان من علوم ونظريات، ولكل ما اشتمل عليه الكون من دلائل وأحداث، تحقيقاً لقول الله تعالى فى كتابه: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨].. ولكن هذا خروج بالقرآن عن قصده، وانحراف به عن هدفه، وقد عرفت رأينا في المسألة فلا نعيده.
* *
* إنكار بعض العلماء المعاصرين لهذا اللَّون من التفسير:
لم يقف العلماء فى هذا العصر موقف الإجماع على قبول هذا اللَّون من التفسير،


الصفحة التالية
Icon