وذلك حيث يقول: "لست أريد من هذا - يعنى ثناءه على الكتاب ومؤلفه - أن أقول: إن الكتاب الكريم اشتمل على جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمى المعروف، وإنما أريد أن أقول إنه أتى بأُصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذِكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة، ليبينوا للناس جزئياتها بقدر ما أُوتوا منها فى الزمان الذى هم عائشون فيه".
وفى موضع آخر يقول: "يجب أن لا نجر الآية إلى العلوم كى نُفسِّرها، ولا العلوم إلى الآية، ولكن إن اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسرناها بها".
ومن هذا كله يتبين أن التفسير العلمى فى العصر الحديث إن كان قد لقى قبولاً ورواجاً عند بعض العلماء، فإنه لم يلق مثل هذا القبول والرواج عند كثير منهم، وقد علمتَ فيما سبق أى الرأيين أقرب إلى الحق وأحرى بالقبول.
اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر
لم يبق من الفِرَق المنسوبة إلى الإسلام فى هذا العصر الحديث مَن له كيان، أو شىء من الكيان - حسبما نعلم - إلا أهل السُّنَّة، والإمامية الإثنا عشرية، والإمامية الإسماعيلية، والزيدية، والإباضية من الخوارج، والبهائية من الباطنية... هذه هى الفرق التى لا تزال فى اعتبارنا قائمة إلى يومنا هذا، محتفظة بتعاليمها وعقائدها التى تسير عليها من أول عهدها ومبدأ ظهورها.
وإذا كنا قد وقفنا لكل فِرْقة من هذه الفِرَق فى عصورها السابقة على عمل ظاهر فى تفسير كتاب الله، وشرحه على حسب ما تمليه عقيدة المفسِّر، وما يوحى به إليه، فإنَّا لا نعدم هذا اللَّون المذهبى لتفسير القرآن الكريم فى هذا العصر الحديث، ولكن بمقدار ما بقى من هذه المذاهب قائماً إلى هذا العصر الذى نتكلم عنه، ونتحدث عن ألوان التفسير فيه.
نعم.. بقى اللَّون المذهبى لتفسير القرآن الكريم قائماً فى هذا العصر الحديث، بمقدار ما بقى قائماً من المذاهب الإسلامية.
فأهل السُّنَّة فسَّروا القرآن، وألَّفوا الكتب فيه بما يتفق وعقيدتهم، كما نرى ذلك واضحاً فيما خلَّفته لنا مدرسة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده من كتب فى التفسير.
والإمامية الإثنا عشرية فسَّروا القرآن وألَّفوا الكتب فيه بما يتمشى مع مذهبهم، ويتفق مع أهوائهم ومشاربهم، ومن أحدث كتبهم التى اطلعنا عليها فى التفسير: