التجوًُّز، ونهج الاستعارة، وسبيل الكناية ومن قبيل المجازات اللُّغوية والعقلية، إذ أبواب التجوُّز فى كلام العرب واسعة وموارده فى عبارات الفصحاء سائغة، فلا استبعاد إن أراد الله عَزَّ وجَلَّ بحسب الاستعمال الذى يدل عليه ظاهر اللفظ معنى، وبحسب التجوُّز الذى تدل عليه القرائن ويجتمع مع الظاهر بنوع من التناسب معنى آخر، وسنشير إلى كثير من وجوه التناسب فى المقدمة الثالثة وغيرها، ولكن نذكر فى هذا المقام من كليات تلك الوجوه بعض ما يُستفاد من أخبار الأئمة الأطياب، ونرفع عن وجوه الآيات لطالب تأويلها الحجاب، ونكشف عنها النقاب، تبصرة لمن أراد التبصر من أُولى الألباب. وأما إحاطة العلم بالجميع، فهى للراسخين فى العلم ومَن عنده علم الكتاب... كما سيظهر فى الفصل الآخير.
فاعلم أنه يمكن تبيين المرام فى هذا المقام من وجوه وإن أمكن إرجاع بعضها إلى بعض، ثم ساق وجوهاً خمسة يرجع بعضها إلى بعض كما قال، فكان مما ذكره فى الوجه الرابع ما جاء فى البصائر عن نصر بن قابوس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٣٠-٣٣] قال: يا نصر؛ إنه ليس حيث يذهب الناس، وإنما هو العالِم وما يخرج منه.
ثم قال المولى: "قال شيخنا العلامة - رحمه الله -: "لعل المعنى ليس حيث يذهب الناس من انحصار جنَّة المؤمنين فى الجنَّة الصورية الأخروية، بل لهم فى الدنيا أيضاً ببركة أئمتهم عليهم السلام جنَّات روحانية من ظل حمايتهم ولطفهم الممدود فى الدنيا والآخرة. وماء مسكوب من علومهم الممتعة التى بها تحيا النفوس والأرواح، وفواكه كثيرة من أنواع معارفهم التى لا تنقطع عن شيعتهم ولا يُمنعون منها، وفُرُشٌ مرفوعة مما يتلذذون به من حكمهم وآدابهم، بل لا يتلذذ المقرَّبون فى الآخرة أيضاً فى الجنان الصورية إلا بتلك الملاذ المعنوية التى كانوا يتنعمون بها فى الدنيا كما تشهد به الأخبار" - انتهى كلامه أعلى الله مقامه - فتأمل ولا تغفل عن جريان مثله فى ساير نِعَم الجنَّة، مثل أنهار الخمر وأمثالها، كما يشهد له ما سيأتى فى الأنهار واللبن من تأويل اللبن والخمر بعلوم الأئمة عليهم السلام. وسيأتى فى الجنَّة والنار وما بمعناهما من تأويل الأولى بولاية الأئمة، والثانية بعداوتهم، وأمثال هذه التأويلات كثيرة ينادى بها كثير من الأخبار فى الترجمات الجائية المناسبة لها فافهم، وكذا كل ما ورد ظاهره فى العذاب، والمسخ والهلاك، والموت البدنى، ونحو ذلك، فباطنه فى الهلاك المعنوى بضلالاتهم وحرمانهم عن العلم والكمالات، وموت قلوبهم ومسخها وعميها عن إدراك الحق، فهم إن كانوا فى صور البَشر لكنهم كالأنعام بل هم أضل، وإن كانوا


الصفحة التالية
Icon