هذا.. وإن الأستاذ الإمام لا يريد من كلامه السابق أن يُهمل الناحية البلاغية أو النحوية مثلاً فى تفسير القرآن، ولكنه يريد أن يأخذ المفسِّر من ذلك بمقدار الضرورة، فيبين المفسر - مثلاً - من وجوه البلاغة، وضروب الإعراب بقدر ما يحتمله المعنى، وعلى الوجه الذى يليق بفصاحة القرآن وبلاغته. وذلك بدون أن يتجاوز مقدار الحاجة.
ثم إنَّا نجد الأستاذ الإمام - وقد وضع لنفسه هذه الخطة فى التفسير - يشترط شروطاً لا بد من توفرها عند مَن يريد أن يُفسِّر القرآن تفسيراً يحقق الغرض منه، وقد ذكرناها بجملتها عند كلامنا عن العلوم التى يحتاج إليها المفسِّر.
* *
* القرآن لا يتبع العقيدة وإنما تؤخذ العقيدة من القرآن:
ويرى الأستاذ الإمام: أن القرآن الكريم هو الميزان الذى تُوزن به العقائد لتعرف قيمتها، ويقرر أنه يجب على مَن ينظر فى القرآن أن ينظر إليه كأصل تؤخذ منه العقيدة، ويُستنبط منه الرأى، وينعى على ما كان من أكثر المفسِّرين، من تسلط العقيدة عليهم، ونظرتهم للقرآن من خلالها، حتى تأوَّلوا القرآن بما يشهد لعقائدهم، وتتمشى معها، وفى هذا يقول: "إذا وزنا ما فى أدمغتنا من الاعتقاد بكتاب الله تعالى، من غير أن نُدخلها أولاً فيه، يظهر لنا كوننا مهتدين أو ضالين. وأما إذا أدخلنا ما فى أدمغتنا فى القرآن، وحشرناها فيه أولاً، فلا يمكننا أن نعرف الهداية من الضلال، لاختلاط الموزون بالميزان، فلا يُدرى ما هو الموزون به.
"أريد أن يكون القرآن أصلاً تُحمل عليه المذاهب والآراء فى الدين، لا أن تكون المذاهب أصلاً والقرآن هو الذى يُحمل عليها. ويُرجع بالتأويل أو التحريف إليها، كما جرى عليه المخذولون، وتاه فيه الضالون".
* *
* كيف كان يقرأ الأستاذ الإمام التفسير ويكتبه:
تناول الأستاذ الإمام تفسير القرآن الكريم بالتأليف والتدريس، أما ناحية التأليف، فمحدودة ضيقة، كما ظهر لك فيما سبق، وأما ناحية التدريس فكانت أوسع إلى حد ما من ناحية التأليف، فقد ألقى - رحمه الله - دروساً في التفسير بالجامع الأزهر الشريف، مدة ست سنوات، قرأ فيها ما يقرب من خمسة أجزاء من أجزاء القرآن، كما ألمعنا إليه فيما تقدم.
كذلك ألقى دروساً فى التفسير بمدينة الجزائر من بلاد المغرب، كما ألقى دروساً فى التفسير أيضاً فى مساجد بيروت.. فى المسجد الكبير، وفى مسجد "الباشورة".
وكان من عادة الأستاذ الإمام فى دروسه: أنه يراعى حال مَن يستمعون إليه، فإذا


الصفحة التالية
Icon