كان كذلك فى سائر الأُمم، قال: "فإنها بجملتها - يعنى بطون القرآن - تقتضى بحسب لطف الله تعالى أن لا يترك الإنذار والتبشير فيهم، كما لم يترك بالنسبة إلى سابقهم، وأن يشير إلى الزين والشين فى كل أوان بالنسبة إلى أهل كل زمان. وحيث لم يكن وقت نزول القرآن بعض ما علم الله صدوره من هذه الأمة صار أبعد منهم، فلا بد من ألطافه الكاملة أن يجعل ذلك تأويل كلامه البليغ، بحيث يُستفاد من التنزيل والتبليغ، ولا شك أن هذا أبلغ فى الإعجاز وأجمل للإيجاز.. ".
وقد أورد فى جملة ما أورد من الأخبار فى ذلك، ما رواه الطبرسى فى الاحتجاج عن علىّ عليه السلام أنه قال فى قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩] : أى لتسلكن سبيل مَن كان قبلكم من الأمم فى الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء. وما رواه الكلينى فى الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾.. قال: "يا زرارة؛ أى لتركبن هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق فى أمر فلان، وفلان، وفلان".. قال المولى الكازرانى: "أقول: أى كانت ضلالتهم بعد نبيهم مطابقة إلى صور من الأمم السابقة فى ترك الخليفة واتباع العجل والسامرى وأشباه ذلك.. قال: ويحتمل أن يكون المعنى تطابق أحوال خلفاء الجور فى الشدة والفساد" (ص ٢٣-٢٤).
ثم ذكر المقدمة الثانية فتكلم فى بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير فى القرآن وأنه السر فى جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله، والإشعار بذلك على سبيل التجوُّز والرموز والتعريض فى ظاهر القرآن وتنزيله فقال: "اعلم أن الحق الذى لا محيص عنه بحسب الأخبار الواردة المتواترة الآتية وغيرها، أن هذا القرآن الذى فى أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شئ من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علىّ عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام... وهكذا إلى أن ينتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه. ولهذا - كما قد ورد صريحاً حديث سنذكره - لما أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قد سبق فى علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين فى الدين، وأنهم بحيث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد فى شأن علىّ عليه السلام وذُرِّيته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرِّفين، وكان فى مشيئته الكاملة ومن ألطافه الشاملة محافظة أوامر الإمامة والولاية، ومحارسة مظاهر فضائل النبى صلى الله عليه وآله الأئمة، بحيث تسلم عن تغيير أهل التضييع والتحريف ويبقى لأهل مفادها مع بقاء


الصفحة التالية
Icon