وقوله تعالى ﴿الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ عشرة أحرف.
- البعد عن التكليف بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة. ففي قوله: "القتل أنفى للقتل" تكريرٌ غيرهُ أبلغُ منه. ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصَّر في البلاغة عن أعلى طبقة.
- العبارة القرآنية أحسن تأليفاً بالحروف المتلائمة، يُدْرَك بالحس ويوجد في اللفظ. فإن الخروج من الفاء إلى اللم - في القصاص - أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة - في: القتل أنفى - لبعد الهمزة من اللام. وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء، أعدل من الخروج من الألف إلى اللام.
"فباجتماع الأمور التي ذكرناها صار (الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) أبلغ من (القتل أنفى للقتل) وإن كان بليغاً حسناً"
واستأنف الرماني القول في الإيجاز، فأوضح الفرق بينه وبين التقصير، وذكر أوجه الإيجاز ومسالكه ومراتبه، من حيث كانت المعرفة بها "سبيلاً إلى معرفة فضيلة ما جاء في القرآن منه على سائر الكلام، وعلوه على غيره من أنواع البيان" وختم الباب بقوله:
"الإيجاز تهذيب الكلام بما يحسن به البيان. والإيجاز تصفية الألفاظ من الكدر وتخليصها من الدرن. والإيجاز البيانُ عن المعنى بأقل ما يمكن من الألفاظ. والإيجاز إظهار المعنى الكثير باللفظ اليسير" ٨٠.
* * *
وعلى هذا النهج سار "الرماني" في الأبواب الأخرى التسعة، للبلاغة عنده. وقد تمهلت في الوقوف عنده دون ضجر بنقل ما نقلتُ منه، لأني أقدر أن الرماني قدم في (النكت) محاولة جليلة من المحاولات الرائدة في التصنيف البلاغي وتنسيق أبواب ومصطلحات فيه. كما أردت أن ألفت إلى كونه لم يخرج عن موضوع الإعجاز فيما عرض له من أبواب البلاغة، بل كان همه أن يقدم لكل باب شواهده القرآنية، وان يلمح بذوق مرهف ما فيها من نكت بلاغية.
وهذا ما نفتقده في أكثر الكتب التي تناولت إعجاز القرآن من جهة البلاغة، بعد