وذهب الظاهرية إلى أنها من المتشابه، قال أبو محمد ابن حزم: "والمتشابه من القرآن هو الحروف المقطعة والأقسام فقط، إذ لا نص في شرحها ولا إجماع، وليس فيما عدا ذلك متشابه على الإطلاق".
* * *
واستراح قوم من كل هذا العناء المضني الذي لا ينتهي في أي وجه قيل، إلى ما يُطمأن إليه من اطراد في كل فواتح السور، فقالوا إنها سر من مكنون علمه تعالى: ورووا عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: "في كتاب الله سر، وسر الله في القرآن، في الحروف التي في أوائل السور".
وحوّم حول هذا، جماعة من القائلين بعلوم الحروف، ذكرهم "أبو حيلن" وقال: "وقد أنكر جماعة من المتكلمين أن يكون في القرآن ما لا يُفهم معناه. فانظر إلى هذا الاختلاف المنتشر الذي لا يكاد ينضبط في تفسير هذه الحروف والكلام عليها. والذي أذهب إليه أن هذه الحروف في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وسائر كلامه تعالى محكم...
"وإلى هذا ذهب أبو محمد علي بن أحمد اليزيدي، وهو قول الشعبي والثوري وجماعة من الحدَّثين. قالوا: هي سر الله في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها وتمر كما جاءت. وقال الجمهور: بل يجب أن نتكلم فيها وتُلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها. واختلفوا في ذلك الاختلاف الذي قدمناه. قال ابن عطية: والصواب ما قال الجمهور، فنفسر هذه الحروف ونلتمس لها التأويل".
ويبدو أن القول بأنها من المتشابه، هو ما غلب على المتأخرين بحيث ساغ للسيوطي أن يضع الأقوال المختلفة في هذه الحروف في نوع المتشابه، وإن لم يقصره


الصفحة التالية
Icon