ولعل أقرب ما قالوه في حروف الفواتح، إلى طبيعة البيان وقضية الإعجاز، هو أن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من حروف هجائهم، مفردة أو مركبة "ليدل القوم الذين نزل القرآن بلغتهم، أنه بالحروف التي يعرفونها ويبنون كلامهم منها".
ذكره الإمام الطبري في تفسيره، وأتى به الزمخشري في بيان مجئ الحروف مقطعة "مسرودة على نمط التعديد، كالإيقاع وقرع العصا لمن تُحدى بالقرآن وبغرابة نظمه، وكالتحريك إلى النظر في أن هذا المتلو عليهم، وقد عجزوا عنه من آخرهم، كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم، ليؤديهم النظر إلى أن يستيفنوا أنْ لم تتساقط مقدرتهمة دونه ولم يظهر عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة، وهم أمراء الكلام وزعماء الحوار، وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز؛ ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بزت بلاغة كل ناطق وشقت غبار كل سابق، ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء، ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء إلا لأنه ليس بكلام البشر".
وبعد أن ساق الزمخشري ملحظ مجئ الفواتح على حرف، واثنين، وثلاثة، وأربعة، وخمسة، كمجئ ألفاظ العرب وأبنيتهم على هذا لم تتجاوز، انتصر لهذا الوجه الذي يربط حروف الفواتح بالإعجاز فقال:
"وهذا القول من القوة والخلاقة بالقبول بمنزل، إشارة إلى ما ذكرتُ من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم".
نقله الحافظ ابن كثير في تفسيره، وأضاف:
"قلت: ولهذا، كل سورة افتتحت بالحروف فلابد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته. وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع


الصفحة التالية
Icon