قبلها مباشرة في مستهل الوحي، وقد كانت كلمته الأولى: "اقرأ" وفيها لفت إلى آية الله الكبرى في الإنسان، خلقه الله من علق، وعلم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. فكأن نزول سورة القلم بعدها مبتدأه بحرف (ن) يلفت إلى سر الحرف الذي هو مناط القراءة والعلم والبيان، تنطق به في حروف التهجي، منفرداً منقطعاً فلا يعطي أي معنى أو دلالة، وما يخرج عن مجرد صوت.
ثم يأخذ الحرف موضعه من الكلمة فيتجلى سره الأكبر.
وما كان المصطفى بقارئ، ولا كان يتلو من كتاب من قبل القرآن ولا يخطه بيمينه. والمشركون بحيث لا يجهلون أنه ليس كأساطير الأولين التي يعرفون ويسطرون، لكنهم جادلوا فيه عناداً واستكباراً أن يؤمنوا بنبوة بشر مثلهم. ومن ثم توالى الوحي، بعد أن لفتهم إلى سر الحرف في آية القلم، يبهرهم بآيات هذا القرآن لعلهم بما يجركون من إعجاز بيانه، يكفون عن جدل فيه. فلما أصروا على عنادهم، اتجه إلى صريح التحدي والمعاجزة، إلزاماً لهم بالحجة.
وقيبل التحدي والمعاجزة، في العهد المكي، نزلت تسع سور مفتتحة بالحروف المقطعة. من هذه السور يبدو أن الدجل في المعجزة قد اشتد وأن المشركين أصروا على التكذيب بها وحملها إما على أساطير الأولين، أو على قول شاعر أو كاهن أو ساحر. ويسجل القرآن دعاواهم ومزاعمهم، متجهاً إلى دحضها والكشف عن زيفها وبطلانها، بالاحتجاج للمعجزة، وسوق العبرة بمن مضى من أمم كذبوا برسالات ربهم واتهموا رسله بالافتراء، وبالسحر والجنون، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
إيناساً للمصطفى عليه الصلاة والسلام فيما يحمل من أعباء رسالته وما يلقى من تكذيب قومه، وتذكرةّ وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
وهذه هي آيات الجدل والاحتجاج في السور التسع التي نزلت مفتتحة بالحروف المقطعة، قيبل مواجهة العرب المشركين بصريح التحدي والمعاجزة، نوردها هنا على المشهور في ترتيب النزول:


الصفحة التالية
Icon