وفي هذه السور التي تقارب وقتُ نزولها، كما تقارب ترتيبُها في المصحف، يبدو التركيزُ، في الاحتجاج للمعجزة، على ما تلا القرآن من قصص المرسلين الذين كُذَّبوا. فإن كذَّب المشركون بمحمد رسولاً، فكذلك كذب من قبلهم قومُ نوح، وعاد وثمود، وقوم لوط وإبراهيم وموسى وعيسى.
وإن جادل المشركون في معجزة المصطفى - ﷺ -، فكذلك جادل الأولون في معجزات الرسل عليهم السلام.
ولا يخطئنا أن نلتفت إلى وصفه تعالى للقرآن بأنه: كتاب عربي مبين، تنزيل من رب العالمين، نزل به الوحي على خاتم المرسلين، ويسرَّه بلسانه ليبشر به المتقين وينذر به قوماً لُدّاًَ.
وفي سورة القصص، العاشر من السور المكية الأولى المفتتحة بالحروف المقطعة، تبدأ المعاجزة والتحدي، بأن يأوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى مما أوتى محمد وموسى، عليهما السلام.
كما لا يفوتنا أن نلحظ أن الفواتح بدأت في السور الثلاث الأولى منها، بحرف واحد، ن، ق، ص.
لافته إلى سر الحرف.
ثم نزلت سور "الأعراف ويس ومريم وطه والشعراء والنمل والقصص" بفواتح من حرفين: يس، طه، طس، وثلاثة: طسك. وأربعة: المص، وخمسة كهيعص.
وألفاظ العربية مبنية على مثل هذا العدد من الأحرف التي نزل بها الكتاب العربي المبين.
فلفتت إلى أن الحروف قد تتألف منها ألفاظ عجماء، فإذا أخذ الحرف موضعه في البيان، تجلَّى سرُّه.
* * *


الصفحة التالية
Icon