من إعجاز القرآن أن يظل مشغلة الدارسين العلماء جيلا بعد جيل، ثم
يظل أبدًا رحب المدى سخى المورد كلما حسب جيل أنه بلغ منه الغاية، امتد
الأفق بعيدًا وراء كل مطمح، عاليا يفوت طاقة الدارسين.
فى القرن الثالث للهجرة، كانت البيئة الإسلامية تموج بأقوال فى الإعجاز
أخذت وضعا حادا فى صراع الفرق الإسلامية، فانتصر أعلام كل فرقة لرأيهم فيه وتصدوا لنقض أراء مخالفيهم.
ولم تنفرد قضية الإعجاز فى أول الأمر بالبحث والنظر، وإنما عولجت مع
غيرها من القضايا التي نشط فيها الكلام وتجادلت الفرق، وبخاصة تلك التي
تتصل بالنبوة والمعجزة، كالذى فى (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة،
و (مقالات الإسلاميين) لأبى الحسن الأشعرى، و (حجج النبوة، للجاحظ)
و (الانتصار) لأبى الحسين الخياط الذى نقض كتب "ابن الراوندى"، ومنها
(الزمرد)، و (الدامغ) و (الفريد) فى نظم القرآن.
أو تناولها المفسرون فى سياق التفسير كالذى فى (جامع البيان) للطبرى
و (مجاز القرآن) لأبى عبيدة....
على أن القضية لم تبث أن استقلت بالتأليف المفرد: ففى القرن الثالث
ظهرت كتب فى الإعجاز تحمل فى الغالب عنوان (نظم القرآن) وللجاحظ
(ت ٢٥٥ هـ) كتاب بهذا الاسم لم يصل إلينا، وإن كان الجاحظ أشار إليه فى كتابه (الحجج) كما أشار إليه الباقلاني فى كتابه (إعجاز القرآن).


الصفحة التالية
Icon