وهذا هو سر الباء التي قالوا إنها زائدة على الخبر لمعنى التأكيد، ثم جروا على إبطال عملها أصالةَ في الخبر، وأعربوه منصوباً منع من ظهور حركته الأصلية اشتغالُ محلها بحركة حرف الجر الزائد.
* * *
وخلاصة ما هدى إليه الاستقراء لآياتها في البيان القرآني:
- أن الجمل الخبرية المنفية بـ "كان" لا يقترن خبرها بالباء. ووجه الاستغناء عن الباء، أن النفي بهذا الأسلوب يفيد الجحد أصالةَ، شأنه شأن أسلوب الجحد في الفعل: "ما كان الله ليعذبهم".
- حيثما جاء الخبر منفياً بما أو ليس، في الجمل الخبرية، واقترن الخبر بالباء، أفادت تقرير النفي بالجحد والإنكار.
وتلزم الباء خبر ما وليس في هذا السياق، في البيان القرآني: ولا تتخلف إلا حين يكون المقام مستغنياً عن تقرير النفي، أو محتملاً لشك في الخبر.
- في الجمل الاستفهامية، يطرد اقتران خبر ليس بالباء، وبها ينتقض النفي ويخرج الاستفهام إلى إثبات حاسم وتقرير بات، لا إلى أي وجه آخر من سائر الوجوه التي يعرفها علم البلاغة في خروج الاستفهام عن معناه الأول في أصل اللغة.
* * *
وإذ كشف حرف الباء عن سره في البيان الأعلى، يبدو القول بزيادته مما يجفوه حس العربية المرهف. ولا يلطف من هذه الجفوة أن نعلم أنهم لم يعنوا بالزيادة مجرد الحشو أو الفضول، بل أدرجوها تحت الحكم العام لمعنى التأكيد بالباء الزائدة.
ولا أدري ما إذا كان من المجدي، أن أقول في هذه الباء غيرَ ما قرره النحاة،


الصفحة التالية
Icon