"وتقدير (لا) خطأ، لأنه مكان إلباس. ألا ترى أن الذي يتبادر إليه الفهم هم أن الفعل مثبت"؟
لقد قال تعالى في أحكام الصيام: "وعلى الذين يطيقونه" فيما ينبغي لنا أن نتأولها بالنفي: وعلى الذين لا يطيقونه، فنخرجها بهذا النفي إلى نقيض نصها الصريح بالإثبات.
ولعل الذين تأولوا الآية على تقدير حذف "لا" - صراحة أو مآلاً، فهموا "يطيقونه" بمعنى: يستطيعونه.
وليست الكلمتان: يطيقونه ويستطيعونه، سواء.
في لفظ الاستطاعة، حسُّ الطواعية والمواتاة والقدرة. ولو كان المكلَّف بحيث يستطيع الصوم، فالتكليف قائم لا تقبل عنه فدية ولا قضاء. وبه نفهم ما روى عن عطاء في "الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم".
وأما الطاقة فهي في العربية أقصى الجهد ونهاية الاحتمال. وحين يقول العربي لصاحبه: هل تطيق هذا؟ لا يقولها إلا وهو يقدر أن هذا مما لا يحتمل ولا يستطاع.
وبهذه الدلالة على أقصى الجهد ونهاية الاحتمال، نُقل لفظ الطاقة إلى المصطلح العلمي في الطبيعية والرياضيات.
وجاءت "طاقة" مرتين في القرآن الكريم، بآيتي البقرة:
﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾
﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾
وبهما نستأنس في فهم الآية الثالثة:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾
فندرك أن الأمر في احتمال الصوم إذا جاوز الطاقة إلى ما لا يطاق، سقط التكليف. لأنه لا تكليف شرعاً بما لا يطاق، والله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً


الصفحة التالية
Icon