ونحتكم إلى النص القرآني، فنرى أن الأوْلى حمل الآية على نفي استئذان المؤمنين "أن يجاهدوا" لا أن يتخلفوا ويقعدوا. فليس المؤمن بحيث يستأذن في أن يؤدي فريضة الجهاد، كنا لا يستأذن في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج.
وآية التوبة نزلت في "غزوة تبوك" ولا مجال لاستئذان في الخروج مع المصطفى - ﷺ - بعد أن استفز أصحابه للجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، بل أن الاستئذان في مثل هذا الموقف أقرب إلى أن يكون مظهر تردد وتباطؤ. فالمترددون هم الذين يستأذنون المصطفى في الخروج معه، عن ارتياب وحيرة بين أن يخرجوا أوْ لا يخرجوا. ولو أنهم أرادوا الخروج حقاً لبادروا بالاستعداد له دون أن يترددوا ويتباطئوا، انتظاراً لإذنه - ﷺ -.
وهذا هو ما تعطيه الآية بصريح تعلق استئذان المؤمنين فيها بأن يجاهدوا، وصريح سياقها مع الآيات بعدها:
﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ ٤٥، ٤٦.
ومعها آية التوبة (٨٣) في هؤلاء المنافقين الذين ارتابت قلوبهم في ربيهم يترددون:
﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾
وإذ يقول تعالى لنبيه المصطفى:
﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا...﴾
نفهم الآية المحكمة بصريح لفظها وسياقها، دون تأويل لها بمثل ما نقل فيها الطبري: لا يستأذنك في ترك الغزو والجهاد.
* * *


الصفحة التالية
Icon