من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، ولا يدرى الواحد منهم كما انصرف، ولا ما قرأ من السور".
وحين نفهم الآية في سياقها مع الآيات قبلها، ومع الآية التالية لها وقد ارتبطت بها ارتباط الصلة بالموصول: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾.
يعطينا حلاف "عن" سره، فنرى النذير بالويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون غافلون عن كونها قياماً بين يدي الخالق، يكبح غرور الإنسان وينهاه عن الفحشاء والمنكر، ويأخذه بالخشوع والتواضع أمام جلال خالقه وعظمته وقدرته، ويرهف ضميره فيتقي الله في اليتيم والمسكين مؤدياً حقهما في التواصي بالمرحمة.
ليس السهو عن الصلاة إذن سهواً فيها ولا تركاً لها أو ترك وقتها، أو العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب، وإنما هو سهو عن حكمتها، ومراءاة بها، قد يؤديها بعضهم في أوقاتها، ويتظاهرون بالخشوع فيها والإخبات رثاء الناس وقصداً إلى منفعة. وصلاة الذي يدُّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، لا يمكن أن تصدر عن قلب خاشع وضمير مؤمن، وحين لا تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، فذلك، والله أعلم، هو السهو عنها، تعود به طقوساً شكلية ونفاقاً من المصلين يراءون به الناس.
* * *
ونتدبر معها حرف "ثم" في آية البلد:
﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾
وقف مفسرون طويلاً عند عطف الإيمان على فك رقبة، بحرف "ثم" الذي يفيد الترتيب مع التراخي فتأولوه بما يخرج به من صريح سياقه وظاهر معناه، ليفيد


الصفحة التالية
Icon