وظلت القضية فيما أعلم، معلقة لم يستقر فيها أصحاب العربية على رأى، حتى بعد أن اتصلت دراساتنا اللغوية الحديثة بجديد البحوث غي علوم اللغة والصوت والاجتماع.
وإن كان مذهب القول بالترادف هو الذي غلب وراج في العصور المتأخرة. ويقول به اليوم عدد من أصحاب التخصص في فقه اللغة وعلم الاجتماع اللغوي منهم "الدكتور علي عبد الواحد" الذي نشر في (مجلة الثقافة سنة ١٩٦٣) مقالاً في مزايا لغتنا العربية، التي انفردت بشرف نزول الوحي بها. فكان مما عده من مزاياها، أنها تستطيع لثرائها أن تؤدي المعنى الواحد بعشرات الألفاظ.
و"الدكتور إبراهيم أنيس"، قطع في كتابه (دلالات الألفاظ) بوجود الترادف في العربية، فلم يلمح فرقاً، أي فرق، بين أن تقول مثلاً: لم يسمع، وفي أذنيه صمم، وفي أذنيه وقر. وذكر الآية الكريمة شاهداً:
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾
وإلى عهد قريب، كانت قضية الترادف من بين ما شَغِلَ به المجمع اللغوي في القاهرة. وقد اقترح أحد السادة الأعضاء، أن نتخفف من ثقل المترادفات فنصنف معجماً لألفاظ العربية، يستبعد في المعنى الواحد مازاد على لفظ واحد يختاره المجمعيون من حشد الألفاظ المترادفة.
......................
والقرآن الكريم كتاب العربية الأكبر، ومن الحق ألا نأخذ في القضية برأي دون عرضها على الكتاب العربي المبين، لأنه الذي يحسم ذلك الخلاف الذي طال.
وفيما أشتغل به على المدى الطويل من تخصص في الدراسات القرآنية، شهد التتبع الاستقرائي لألفاظ القآن في سياقها، أنه يستعمل اللفظ بدلالة معينة


الصفحة التالية
Icon