﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ٦
ليس الإيناس هنا مجرد إبصار لظواهر الرشد المادية الحسية في سن البلوغ ولكنه الطمأنينة المؤنسة بالابتلاء والامتحان، إلى أنهم قد رشدوا حقاً.
وفي القرآن من المادة، صيغة الفعل المضارع من الاستئناس في آية النور:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾.
الاستئناس فيها ليس مجرد استئذان كما وهم الذين فسروه بذلك، وإنما هو حِسُّ الإيناس لأهل البيت قبل دخوله. ولا يسوغ في ذوق العربية أن يقال مثلاً:
استأنس الرشطي، أو جابى الضرائب، أو الجائن. وإنما هو الاستئذان ليس فيه حِسُّ إيناس.
كما لا يسوغ استعمال "آنس" في رؤية عدو أو نار حريق، أو في سماع هزيم رعد وزئير وحش...
* * *
النأى، والبُعد:
يأتي بهما أكثر المعجميين والمفسرين تأويلاً لأحدهما بالآخر، دون إشارة إلى فرق بينهما. وفَرَّقَ بينهما مَن أنكروا الترادف.
ونستقرئ مواضع الاستعمال القرآني للنأى والبعد فلا يترادفان:
النأى يأتي بمعنى الإعراض والصد والإشاحة، بصريح السياق في آياته:
الإسراء ٨٣: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾
معها فصلت ٥١
الأنعام ٢٥، ٢٦: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا


الصفحة التالية
Icon