﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ١١ - ١٤
* * *
الخشوع والخشية
والخضوع والخوف:
والتصدع للجبل، في آية الحشر. آية البيان فيه، أن تراه خاشعاً متصدعاً من خشية الله، لو أنه تعالى أنزل عليه هذا القرآن. إذ ليس من شأن الجبل أن يخشع ولا أن يخشى، والخشوع والخشية، كلاهما، من أفعال القلوب التي لا تصدر عن جماد، إلا أن يكون ذلك من صنيع البيان يبث الحياة في الصخر الأصم.
وتفترق الخشية عن الخوف، بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه، كما يفترق الخشوع عن الخضوع، بأننا لا نخشع إلا عن إنفعال صادق بجلال مَن نخشع له.
وأما الخوف فيجوز أن يحدث عن تسلط بالقهر والإرهاب، كما أن الخضوع قد يكون تكلفاً عن نفاق وخوف، أو تقية ومداراة. والعرب تقول: خشع قلبه، ولا تقول: خضع، إلا تجوزاً.
وعجيب أمر هذا البيان المعجز في اطراد نسقه ولطف دلالاته وباهر أسراره:
كل خشية فيه، على اختلاف صيغها، لا تكون إلا في الحياة الدنيا، لا في الآخره، إذ الدنيا هي مجال الإبتلاء:
وإذا تعلقت الخشية، في القرآن، بأمر يَّخشىَ، فإنه الغيب، والساعة، واليوم الأخر. أو العنت والكساد والإملاق، وضياع اليتامى، والإرهاق طغياناً وكفراً.
وأما إذا تعلقت بذات، لا بأمر، فإنها في تقدير القرآن، لا تكون إلا الخشية لله، وحده، دون أي مخلوق. يطرد ذلك في كل مواضع استعمالها في الكتاب المحكم، بصريح الآيات:


الصفحة التالية
Icon