"فإن عَلِم أنه الطريق إلى البيان والكشف عن الحجة والبرهان، تبع الحق
وأخذ به.
وإن رأى أن له طريقا غيره أومأ لنا إليه ودلنا عليه، وهيهات ذلك!
أو كما أضاف، الجرجاني متحدياً:
إني أقول مقالا لست أخفيه... ولست أرهب خصماً إن بدا فيه
ما من سبيل إلى إثبات معجزة... فى النظم إلا بما أصبحت أبديه
قولوا وأصغوا للبيان تروا... كالصبح منبلجا فى عين رائيه
ومع الدلائل، قدم الجرجاني (الرسالة الشافية) فى إعجاز القرآن - نشرت
مع: ثلاث رسائل فى الإعجاز - وحسب أنه أتى فيها "بما يشفى من له طبع
إذا قدحتَه أورى، وقلب إذا أريته رأى... فأما من لا يرى ما تريه ولا يهتدى للذى تهديه، فأنت معه كالنافخ فى الفحم من غير نار وكالملتمس الشم من أخشم.
وكما لا يقيم الشعر فى نفس من لا ذوق له، لا يفهم هذا البابَ من لم
يؤتَ الآلة التى بها يفهم. إلا أنه إنما يكون البلاء أو ظن العادم لها أنه قد
أوتيها، وأنه ممن يكمُل للحكم ويصح منه القضاء فجعل يخبط ويخلط ويقول
القولَ لو علم عِيه لاستحيا منه...
"فليس الكلام إذن بمغن عنك ولا القول بنافع، ولا الحجة مسموعة، حتى
تجد مَن فيه عون لك، ومن إذا أبى عليك أي ذاك طبعُه فردَّه إليك وفتح
سمعه لك ورفع الحجاب بينه وبينك وأخذ به إلى حيث أنت، وصرت ناظره
إلى الجهة التى أليها أومأت، فاستبدل بالنفار أنساً وأراك من بعد الإباء قبولا.
وبالله التوفيق".
***
فى القرن الخامس أيضاً، ظهر ابن حزم الظاهرى (ت ٤٥٦ هـ) فتصدى
للسلف ممن تكلموا فى إعجاز القرآن، واشتدت وطأته على القاضى الباقلاني