قد أكثروا من الكلام فى إعجاز القرآن وجاءوا بقبائل من الرأى لونوا فيها مذاههم ألواناً مختلفات وغير مختلفات، بيد أنهم يمرون فى ذلك عُرضا على غير طريق، وويشتقون فى الكلام ههنا وههنا من كل ما تمترس به الألسنة فى اللدد والخصومة وما يأخذ بعضه على بعض من مذاهبهم ونحلهم، وليس وراء ذلك كله إلا ما تحصره هذه المقاييس من صناعة الحق - فسرها بهامشه فقال: كناية عن علماء الكلام، وفنهم يقوم على الجدل والمنطق! - وإلى أشكال من هذه التراكيب الكلامية، ثم فتنة متماحلة لا تقف عند غاية فى اللجاج والعسر.
والرافعى لا يتحرج من القول بالظن فى مصنفات السلف: فهر يحكم على
كتاب الجاحظ، ولم يصل إلينا، بأنه لم يحاول فيه "أكثر من توكيد القول فى
الفصاحة والكشف عنها على ما يفى بالابتداء فى هدا المعنى، إذ كان هو الذى ابتدأ التأليف فيه ولم تكن علوم البلاغة قد وضعت بعد.
وقال فى كتاب الواسطى، ولم يصل إلينا كذلك:
"ولا نظن الواسطى بنى إلا على ما ابتدأه الجاحظ، كما بنى عبد القاهر فى
دلائل الإعجاز على الواسطى "
ثم يشير إلى كتاب لابن سراقة فى إعجاز القرآن، ضاع فيما ضاع من
تراثنا، فيحكم عليه قائلا:
"على أن كتابه لوكان مما ينفع الناس لمكث فى الأرض"
وتصدى الرافعى للموضوع الجليل، فتناوله أول الأمر مبحثاً من مباحث
كتابه (تاريخ آداب العرب) ثم أفرده مستقلا ليكون كما قال: (كتابا بنفسه، تعم به المنفعة ويسهل على الناس تناوله" ونشره بعنوان (إعجاز القرآن)
ولم يحتمل - رحمه الله - أن يختلف معاصروه فى كتابه، فيكون منهم من
يراه فصل الخطاب وشهد له بأنه كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور


الصفحة التالية
Icon